ولا حي معه ولا شريك يعينه ثم خلق الملائكة والجن والبشر وهو المراد من قوله إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ أي لم يحدث أحد ولم يدخل في الوجود إلا من بعد أن قال له كن حتى كان وحصل
واعلم أنه تعالى لما بين هذه الدلائل وشرح هذه الأحوال ختمها بعد ذلك بقوله ذالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ مبيناً بذلك أن العبادة لا تصلح إلا له ومنبهاً على أنه سبحانه هو المستحق لجميع العبادات لأجل أنه هو المنعم بجميع النعم التي ذكرها ووصفها
ثم قال بعده أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ دالاً بذلك على وجوب التفكر في تلك الدلائل القاهرة الباهرة وذلك يدل على أن التفكر في مخلوقات الله تعالى والاستدلال بها على جلالته وعزته وعظمته أعلى المراتب وأكمل الدرجات
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِى َ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما ذكر الدلائل الدالة على إثبات المبدأ أردفه بما يدل على صحة القول بالمعاد وفيه مسائل
المسألة الأولى في بيان أن إنكار الحشر والنشر ليس من العلوم البديهية ويدل عليه وجوه الأول أن العقلاء اختلفوا في وقوعه وعدم وقوعه وقال بإمكانه عالم من الناس وهم جمهور أرباب الملل والأديان وما كان معلوم الامتناع بالبديهة امتنع وقوع الاختلاف فيه الثاني أنا إذا رجعنا إلى عقولنا السليمة وعرضنا عليها أن الواحد ضعف الاثنين وعرضنا عليها أيضاً هذه القضية لم نجد هذه القضية في قوة الامتناع مثل القضية الأولى الثالث أنا إما أن نقول بثبوت النفس الناطقة أولا نقول به فإن قلنا به فقد زال الإشكال بالكلية فإنه كما لا يمتنع تعلق هذه النفس بالبدن في المرة الأولى لم يمتنع تعلقها بالبدن مرة أخرى وإن أنكرنا القول بالنفس فالاحتمال أيضاً قائم لأنه لا يبعد أن يقال إنه سبحانه يركب تلك الأجزاء المفرقة تركيباً ثانياً ويخلق الأنسان الأول مرة أخرى والرابع أنه سبحانه ذكر أمثلة كثيرة دالة على إمكان الحشر والنشر ونحن نجمعها ههنا
فالمثال الأول أنا نرى الأرض خاشعة وقت الخريف ونرى اليبس مستولياً عليها بسبب شدة الحر في الصيف ثم إنه تعالى ينزل المطر عليها وقت الشتاء والربيع فتصير بعد ذلك متحلية بالأزهار العجيبة والأنوار الغريبة كما قال تعالى وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الاْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ( فاطر ٩ ) وثانيها قوله تعالى وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الاْرْضَ خَاشِعَة ً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ( فصلت ٣٩ ) إلى قوله ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْى ِ الْمَوْتَى ( الحج ٦ ) وثالثها قوله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى الاْرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ ( الزمر ٢١ )


الصفحة التالية
Icon