والمراد كونه منبهاً على أمر المعاد ورابعها قوله ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ( عبس ٢١ ٢٤ ) وقال عليه السلام ( إذا رأيتم الربيع فأكثروا ذكر النشور ) ولم تحصل المشابهة بين الربيع وبين النشور إلا من الوجه الذي ذكرناه
المثال الثاني ما يجده كل واحد منا من نفسه من الزيادة والنمو بسبب السمن ومن النقصان والذبول بسبب الهزال ثم إنه قد يعود إلى حالته الأولى بالسمن
وإذا ثبت هذا فنقول ما جاز تكون بعضه لم يمتنع أيضاً تكون كله ولما ثبت ذلك ظهر أن الإعادة غير ممتنعة وإليه الإشارة بقوله تعالى وَنُنشِئَكُمْ فِيمَا لاَ تَعْلَمُونَ ( الواقعة ٦١ ) يعني أنه سبحانه لما كان قادراً على إنشاء ذواتكم أولاً ثم على إنشاء أجزائكم حال حياتكم ثانياً شيئاً فشيئاً من غير أن تكونوا عالمين بوقت حدوثه وبوقت نقصانه فوجب القطع أيضاً بأنه لا يمتنع عليه سبحانه إعادتكم بعد البلى في القبور لحشر يوم القيامة
المثال الثالث أنه تعالى لما كان قادراً على أن يخلقنا ابتداء من غير مثال سبق فلأن يكون قادراً على إيجادنا مرة أخرى مع سبق الإيجاد الأول كان أولى وهذا الكلام قرره تعالى في آيات كثيرة منها في هذه الآية وهو قوله إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وثانيها قوله تعالى في سورة يس قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة ٍ ( يس ٧٩ ) وثالثها قوله تعالى وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَة َ الاْولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ ( الواقعة ٦٢ ) ورابعها قوله تعالى أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الاْوَّلِ بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ( ق ١٥ ) وخامسها قوله تعالى أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَة ً مّن مَّنِى ّ يُمْنَى ( القيامة ٣٦ ٣٣ ) إلى قوله أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِى َ الْمَوْتَى ( القيامة ٤٠ ) وسادسها قوله تعالى السَّعِيرِ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مّن تُرَابٍ ( الحج ٥ ) إلى قوله ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْى ِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلّ شَى ْء قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَة َ ءاتِيَة ٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ ( الحج ٦ ٧ ) فاستشهد تعالى في هذه الآية على صحة الحشر بأمور الأول أنه استدل بالخلق الأول على إمكان الخلق الثاني وهو قوله إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مّن تُرَابٍ كأنه تعالى يقول لما حصل الخلق الأول بانتقال هذه الأجسام من أحوال إلى أحوال أخرى فلم لا يجوز أن يحصل الخلق الثاني بعد تغيرات كثيرة واختلافات متعاقبة والثاني أنه تعالى شبهها بإحياء الأرض الميتة والثالث أنه تعالى هو الحق وإنما يكون كذلك لو كان كامل القدرة تام العلم والحكمة فهذه هي الوجوه المستنبطة من هذه الآية على إمكان صحة الحشر والنشر
والآية السابعة في هذا الباب قوله تعالى قُلْ كُونُواْ حِجَارَة ً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة ٍ ( الإسراء ٥٠ ٥١ )
المثال الرابع أنه تعالى لما قدر على تخليق ما هو أعظم من أبدان الناس فكيف يقال إنه لا يقدر على إعادتها فإن من كان الفعل الأصعب عليه سهلاً فلأن يكون الفعل السهل الحقير عليه سهلاً كان أولى وهذا المعنى مذكور في آيات كثيرة منها قوله تعالى أَوَلَيْسَ الَذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ( يس ٨١ )


الصفحة التالية
Icon