وثانيها قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَلَمْ يَعْى َ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْى ِ الْمَوْتَى ( الأحقاف ٣٣ ) وثالثها أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ ( النازعات ٢٧ )
المثال الخامس الاستدلال بحصول اليقظة بعد النوم على جواز الحشر والنشر فإن النوم أخو الموت واليقظة بعد الموت قال تعالى وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ( الأنعام ٦٠ ) ثم ذكر عقيبه أمر الموت والبعث فقال وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَة ً حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرّطُونَ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقّ ( الأنعام ٦١ ٦٢ ) وقال في آية أخرى اللَّهُ يَتَوَفَّى الاْنفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا ( الزمر ٤٢ ) إلى قوله إِنَّ فِى ذالِكَ لآيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( الرعد ٣ ) والمراد منه الاستدلال بحصول هذه الأحوال على صحة البعث والحشر والنشر
المثال السادس أن الإحياء بعد الموت لا يستنكر إلا من حيث إنه يحصل الضد بعد حصول الضد إلا أن ذلك غير مستنكر في قدرة الله تعالى لأنه لما جاز حصول الموت عقيب الحياة فكيف يستبعد حصول الحياة مرة أخرى بعد الموت فإن حكم الضدين واحد قال تعالى مقرراً لهذا المعنى نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ( الواقعة ٦٠ ) وأيضاً نجد النار مع حرها ويبسها تتولد من الشجر الأخضر مع برده ورطوبته فقال الَّذِى جَعَلَ لَكُم مّنَ الشَّجَرِ الاْخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ ( يس ٨٠ ) فكذا ههنا فهذا جملة الكلام في بيان أن القول بالمعاد وحصول الحشر والنشر غير مستبعد في العقول
المسألة الثانية في إقامة الدلالة على أن المعاد حق واجب
اعلم أن الأمة فريقان منهم من يقول يجب عقلاً أن يكون إله العالم رحيماً عادلاً منزهاً عن الإيلام والإضرار إلا لمنافع أجل وأعظم منها ومنهم من ينكر هذه القاعدة ويقول لا يجب على الله تعالى شيء أصلاً بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد أما الفريق الأول فقد احتجوا على وجود المعاد من وجوه
الحجة الأولى أنه تعالى خلق الخلق وأعطاهم عقولاً بها يميزون بين الحسن والقبيح وأعطاهم قدراً بها يقدرون على الخير والشر وإذا ثبت هذا فمن الواجب في حكمة الله تعالى وعدله أن يمنع الخلق عن شتم الله وذكره بالسوء وأن يمنعهم عن الجهل والكذب وإيذاء أنبيائه وأوليائه والصالحين من خلقه ومن الواجب في حكمته أن يرغبهم في الطاعات والخيرات والحسنات فإنه لو لم يمنع عن تلك القبائح ولم يرغب في هذه الخيرات قدح ذلك في كونه محسناً عادلاً ناظراً لعباده ومن المعلوم أن الترغيب في الطاعات لا يمكن إلا بربط الثواب بفعلها والزجر عن القبائح لا يمكن إلا بربط العقاب بفعلها وذلك الثواب المرغب فيه والعقاب المهدد به غير حاصل في دار الدنيا فلا بد من دار أخرى يحصل فيها هذا الثواب وهذا العقاب وهو المطلوب وإلا لزم كونه كاذباً وأنه باطل وهذا هو المراد من الآية التي نحن فيها وهي قوله تعالى إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّا
فإن قيل لم لا يجوز أن يقال إنه يكفي في الترغيب في فعل الخيرات وفي الردع عن المنكرات ما أودع الله في العقول من تحسين الخيرات وتقبيح المنكرات ولا حاجة مع ذلك إلى الوعد والوعيد سلمنا أنه لا بد من الوعد والوعيد فلم لا يجوز أن يقال الغرض منه مجرد الترغيب والترهيب ليحصل به نظام العالم


الصفحة التالية
Icon