والجواب أن هذا الكلام على سبيل الاستقصاء ذكرناه في تفسير قوله تعالى في أول سورة البقرة لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( البقرة ٢١ )
واعلم أنه تعالى لما بين أنه خلق هذا العالم لأجل ابتلاء المكلفين وامتحانهم فهذا يوجب القطع بحصول الحشر والنشر لأن الابتلاء والامتحان يوجب تخصيص المحسن بالرحمة والثواب وتخصيص المسيء بالعقاب وذلك لا يتم إلا مع الاعتراف بالمعاد والقيامة فعند هذا خاطب محمداً عليه الصلاة والسلام وقال وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَاذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ومعناه أنهم ينكرون هذا الكلام ويحكمون بفساد القول بالبعث
فإن قيل الذي يمكن وصفه بأنه سحر ما يكون فعلاً مخصوصاً وكيف يمكن وصف هذا القول بأنه سحر
قلنا الجواب عنه من وجوه الأول قال القفال معناه أن هذا القول خديعة منكم وضعتموها لمنع الناس عن لذات الدنيا وإحرازاً لهم إلى الانقياد لكم والدخول تحت طاعتكم الثاني أن معنى قوله إِنْ هَاذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ هو أن السحر أمر باطل قال تعالى حاكياً عن موسى عليه السلام مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ( يونس ٨١ ) فقوله إِنْ هَاذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ أي باطل مبين الثالث أن القرآن هو الحاكم بحصول البعث وطعنوا في القرآن بكونه سحراً لأن الطعن في الأصل يفيد الطعن في الفرع الرابع قرأ حمزة والكسائي إِنْ هَاذَا إِلاَّ سَاحِرٌ يريدون النبي ( ﷺ ) والساحر كاذب
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّة ٍ مَّعْدُودَة ٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ
اعلم أنه تعالى حكى عن الكفار أنهم يكذبون الرسول ( ﷺ ) بقولهم إِنْ هَاذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ فحكى عنهم في هذه الآية نوعاً آخر من أباطيلهم وهو أنه متى تأخر عنهم العذاب الذي توعدهم الرسول ( ﷺ ) به أخذوا في الاستهزاء ويقولون ما السبب الذي حبسه عنا
فأجاب الله تعالى بأنه إذا جاء الوقت الذي عينه الله لنزول ذلك العذاب الذي كانوا يستهزؤن به لم ينصرف ذلك العذاب عنهم وأحاط بهم ذلك العذاب بقي ههنا سؤالات
السؤال الأول المراد من هذا العذاب هو عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة
الجواب للمفسرين فيه وجوه الأول قال الحسن معنى حكم الله في هذه الآية أنه لا يعذب أحداً منهم بعذاب الاستئصال وأخر ذلك إلى يوم القيامة فلما أخر الله عنهم ذلك العذاب قالوا على سبيل الاستهزاء ما الذي حبسه عنا والثاني أن المراد الأمر بالجهاد وما نزل بهم يوم بدر وعلى هذا الوجه تأولوا


الصفحة التالية
Icon