النفسانية الموجبة للسعادة الأخروية لا يمكن تحصيلها إلا في هذه الدار ثم عند حصول هذه الكمالات كان البقاء في هذه الدار سبباً للفساد والحرمان عن الخيرات
الشبهة الثانية قالوا حركات الأفلاك مستديرة والمستدير لا ضد له وما لا ضد له لا يقبل الفساد
والجواب أنا أبطلنا هذه الشبهة في الكتب الفلسفية فلا حاجة إلى الإعادة والأصل في إبطال أمثال هذه الشبهات أن نقيم الدليل على أن أجرام الأفلاك مخلوقة ومتى ثبت ذلك ثبت كونها قابلة للعدم والتفرق والتمزق ولهذا السر فإنه تعالى في هذه السورة بدأ بالدلائل الدالة على حدوث الأفلاك ثم أردفها بما يدل على صحة القول بالمعاد
الشبهة الثالثة الإنسان عبارة عن هذا البدن وهو ليس عبارة عن هذه الأجزاء كيف كانت لأن هذه الأجزاء كانت موجودة قبل حدوث هذا الإنسان مع أنا نعلم بالضرورة أن هذا الإنسان ما كان موجوداً وأيضاً أنه إذا أحرق هذا الجسد فإنه تبقى تلك الأجزاء البسيطة ومعلوم أن مجموع تلك الأجزاء البسيطة من الأرض والماء والهواء والنار ما كان عبارة عن هذا الإنسان العاقل الناطق فثبت أن تلك الأجزاء إنما تكون هذا الإنسان بشرط وقوعها على تأليف مخصوص ومزاج مخصوص وصورة مخصوصة فإذا مات الإنسان وتفرقت أجزاؤه فقد عدمت تلك الصور والأعراض وعود المعدوم محال وعلى هذا التقدير فإنه يمتنع عود بعض الأجزاء المعتبرة في حصول هذا الأنسان فوجب أن يمتنع عوده بعينه مرة أخرى
والجواب لا نسلم أن هذا الأنسان المعين عبارة عن هذا الجسد المشاهد بل هو عبارة عن النفس سواء فسرنا النفس بأنه جوهر مفارق مجرد أو قلنا إنه جسم لطيف مخصوص مشاكل لهذا الجسد مصون عن التغير والله أعلم به
الشبهة الرابعة إذا قتل إنسان واغتذى به إنسان آخر فيلزم أن يقال تلك الأجزاء في بدن كل واحد من الشخصين وذلك محال
والجواب هذه الشبهة أيضاً مبنية على أن الإنسان المعين عبارة عن مجموع هذا البدن وقد بينا أنه باطل بل الحق أنه عبارة عن النفس سواء
قلنا النفس جوهر مجرد وأجسام لطيفة باقية مشاكلة للجسد وهي التي سمتها المتكلمون بالأجزاء الأصلية وهذا آخر البحث العقلي عن مسألة المعاد
المسألة الرابعة قوله تعالى إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فيه أبحاث
البحث الأول أن كلمة ( إلى ) لانتهاء الغاية وظاهره يقتضي أن يكون الله سبحانه مختصاً بحيز وجهة حتى يصح أن يقال إليه مرجع الخلق
والجواب عنه من وجوه الأول أنا إذا قلنا النفس جوهر مجرد فالسؤال زائل الثاني أن يكون المراد منه أن مرجعهم إلى حيث لا حاكم سواه الثالث أن يكون المراد أن مرجعهم إلى حيث حصل الوعد فيه بالمجازاة
البحث الثاني ظاهر الآيات الكثيرة يدل على أن الإنسان عبارة عن النفس لا عن البدن ويدل أيضاً


الصفحة التالية
Icon