ويحتمل أنهم ذكروه في معرض المدح فلهذا السبب اختلف المفسرون فيه فقال بعضهم أرادوا به أنه كلام مزخرف حسن الظاهر ولكنه باطل في الحقيقة ولا حاصل له وقال أخرون أرادوا به أنه لكمال فصاحته وتعذر مثله جار مجرى السحر
واعلم أن هذا الكلام لما كان في غاية الفساد لم يذكر جوابه وإنما قلنا إنه في غاية الفساد لأنه ( ﷺ ) كان منهم ونشأ بينهم وما غاب عنهم وما خالط أحداً سواهم وما كان مكة بلدة العلماء والأذكياء حتى يقال إنه تعلم السحر أو تعلم العلوم الكثيرة منهم فقدر على الإتيان بمثل هذا القرآن وإذا كان الأمر كذلك كان حمل القرآن على السحر كلاماً في غاية الفساد فلهذا السبب ترك جوابه
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض فِى سِتَّة ِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاٌّ مْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار أنهم تعجبوا من الوحي والبعثة والرسالة ثم إنه تعالى أزال ذلك التعجب بأنه لا يبعد البتة في أن يبعث خالق الخلق إليهم رسولاً يبشرهم على الأعمال الصالحة بالثواب وعلى الأعمال الباطلة الفاسدة بالعقاب كان هذا الجواب إنما يتم ويكمل بإثبات أمرين أحدهما إثبات أن لهذاالعالم إلهاً قاهراً قادراً نافذاً لحكم بالأمر والنهي والتكليف والثاني إثبات الحشر والنشر والبعث والقيامة حتى يحصل الثواب والعقاب اللذان أخبر الأنبياء عن حصولهما فلا جرم أنه سبحانه ذكر في هذا الموضع ما يدل على تحقيق هذين المطلوبين
أما الأول وهو إثبات الإلهية فبقوله تعالى إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ
وأما الثاني وهو إثبات المعاد والحشر والنشر فبقوله إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّا ( يونس ٤ ) فثبت أن هذا الترتيب في غاية الحسن ونهاية الكمال وفي الآية مسائل
المسألة الأولى قد ذكرنا في هذا الكتاب وفي الكتب العقلية أن الدليل الدال على وجود الصانع تعالى إما الامكان وإما الحدوث وكلاهما إما في الذوات وإما في الصفات فيكون مجموع الطرق الدالة على وجود الصانع أربعة وهي إمكان الذوات وإمكان الصفات وحدوث الذوات وحدوث الصفات وهذه الأربعة معتبرة تارة في العالم العلوي وهو عالم السموات والكواكب وتارة في العالم السفلي والأغلب من الدلائل المذكورة في الكتب الإلهية التمسك بإمكان الصفات وحدوثها تارة في أحوال العالم العلوي وتارة في أحوال العالم السفلي والمذكور في هذا الموضع هو التمسك بإمكان الأجرام العلوية في مقاديرها وصفاتها وتقريره من وجوه الأول أن أجرام الأفلاك لا شك أنها مركبة من الأجزاء التي لا تتجزى ومتى كان الأمر كذلك كانت لا محالة محتاجة إلى الخالق والمقدر
أما بيان المقام الأول فهو أن أجرام الأفلاك لا شك أنها قابلة للقسمة الوهمية وقد دللنا في الكتب


الصفحة التالية
Icon