بما كان منها في المنام دون اليقطة فلا جرم فرق بينهما بحرفي التأنيث كما قيل القربة والقربى وقرىء روياك بقلب الهمزة واواً وسمع الكسائي يقرأ رياك ورياك بالإدغام وضم الراء وكسرها وهي ضعيفة
ثم قال تعالى فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا وهو منصوب بإضمار أن والمعنى إن قصصتها عليهم كادوك
فإن قيل فلم لم يقل فيكيدوك كما قال فَكِيدُونِى ( هود ٥٥ )
قلنا هذه اللام تأكيد للصلة كقوله لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ وكقولك نصحتك ونصحت لك وشكرتك وشكرت لك وقيل هي من صلة الكيد على معنى فيكيدوا كيداً لك قال أهل التحقيق وهذا يدل على أنه قد كان لهم علم بتعبير الرؤيا وإلا لم يعلموا من هذه الرؤيا ما يوجب حقداً وغضباً
ثم قال إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ والسبب في هذا الكلام أنهم لو أقدموا على الكيد لكان ذلك مضافاً إلى الشيطان ونظيره قول موسى عليه السلام هذا من عمل الشيطان ثم إن يعقوب عليه السلام قصد بهذه النصيحة تعبير تلك الرؤيا وذكروا أموراً أولها قوله وَكَذالِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ يعني وكما اجتباك بمثل هذه الرؤيا العظيمة الدالة على شرف وعز وكبر شأن كذلك يجتبيك لأمور عظام قال الزجاج الاجتباء مشتق من جبيت الشيء إذا خلصته لنفسك ومنه جبيت الماء في الحوض واختلفوا في المراد بهذا الاجتباء فقال الحسن يجتبيك ربك بالنبوة وقال آخرون المراد منه إعلاء الدرجة وتعظيم المرتبة فأما تعيين النبوة فلا دلالة في اللفظ عليه وثانيها قوله وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الاْحَادِيثِ وفيه وجوه الأول المراد منه تعبير الرؤيا سماه تأويلاً لأنه يؤل أمره إلى ما رآه في المنام يعني تأويل أحاديث الناس فيما يرونه في منامهم قالوا إنه عليه السلام كان في علم التعبير غاية والثاني تأويل الأحاديث في كتب الله تعالى والأخبار المروية عن الأنبياء المتقدمين كما أن الواحد من علماء زماننا يشتغل بتفسير القرآن وتأويله وتأويل الأحاديث المروية عن الرسول ( ﷺ ) والثالث الأحاديث جمع حديث والحديث هو الحادث وتأويلها مآلها ومآل الحوادث إلى قدرة الله تعالى وتكوينه وحكمته والمراد من تأويل الأحاديث كيفية الاستدلال بأصناف المخلوقات الروحانية والجسمانية على قدرة الله تعالى وحكمته وجلالته وثالثها قوله وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءالِ يَعْقُوبَ
واعلم أن من فسر الاجتباء بالنبوة لا يمكنه أن يفسر إتمام النعمة ههنا بالنبوة أيضاً وإلا لزم التكرار بل يفسر إتمام النعمة ههنا بسعادات الدنيا وسعادات الآخرة أما سعادات الدنيا فالإكثار من الأولاد والخدم والأتباع والتوسع في المال والجاه والحشم وإجلاله في قلوب الخلق وحسن الثناء والحمد وأما سعادات الآخرة فالعلوم الكثيرة والأخلاق الفاضلة والاستغراق في معرفة الله تعالى وأما من فسر الاجتباء بنيل الدرجات العالية فههنا يفسر إتمام النعمة بالنبوة ويتأكيد هذا بأمور الأول أن إتمام النعمة عبارة عما به تصير النعمة تامة كاملة خالية عن جهات النقصان وما ذاك في حق البشر إلا بالنبوة فإن جميع مناصب الخلق دون منصب الرسالة ناقص بالنسبة إلى كمال النبوة فالكمال المطلق والتمام المطلق في حق البشر ليس إلا النبوة والثاني قوله كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحَاقَ ومعلوم أن النعمة التامة التي بها حصل امتياز إبراهيم وإسحق عن سائر البشر ليس إلا النبوة فوجب أن يكون المراد بإتمام النعمة هو النبوة


الصفحة التالية
Icon