بحلم وإغضاء وقيل هو منسوخ بآية السيف وهو بعيد لأن المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن والعفو والصفح فكيف يصير منسوخاً
ثم قال إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ومعناه أنه خلق الخلق مع اختلاف طبائعهم وتفاوت أحوالهم مع علمه بكونهم كذلك وإذا كان كذلك فإنما خلقهم مع هذا التفاوت ومع العلم بذلك التفاوت أما على قول أهل السنة فلمحض المشيئة والإرادة وأما على قول المعتزلة فلأجل المصلحة والحكمة والله أعلم
وَلَقَدْ ءاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ
اعلم أنه تعالى لما صبره على أذى قومه وأمره بأن يصفح الصفح الجميل أتبع ذلك بذكر النعم العظيمة التي خص الله تعالى محمداً ( ﷺ ) بها لأن الإنسان إذا تذكر كثرة نعم الله عليه سهل عليه الصفح والتجاوز وفي الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أن قوله سَبْعًا مّنَ يحتمل أن يكون سبعاً من الآيات وأن يكون سبعاً من السور وأن يكون سبعاً من الفوائد وليس في اللفظ ما يدل على التعيين وأما المثاني فهو صيغة جمع واحده مثناة والمثناة كل شيء يثنى أي يجعل اثنين من قولك ثنيت الشيء إذا عطفته أو ضممت إليه آخر ومنه يقال لركبتي الدابة ومرفقيها مثاني لأنها تثنى بالفخذ والعضد ومثاني الوادي معاطفه
إذا عرفت هذا فنقول سبعاً من المثاني مفهومه سبعة أشياء من جنس الأشياء التي تثنى ولا شك أن هذا القدر مجمل ولا سبيل إلى تعيينه إلا بدليل منفصل وللناس فيه أقوال الأول وهو قول أكثر المفسرين إنه فاتحة الكتاب وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي هريرة والحسن وأبي العالية ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة وروي أن النبي ( ﷺ ) قرأ الفاتحة وقال هي السبع المثاني رواه أبو هريرة والسبب في وقوع هذا الاسم على الفاتحة أنها سبع آيات وأما السبب في تسميتها بالمثاني فوجوه الأول أنها تثنى في كل صلاة بمعنى أنها تقرأ في كل ركعة والثاني قال الزجاج سميت مثاني لأنها يثنى بعدها ما يقرأ معها الثالث سميت آيات الفاتحة مثاني لأنها قسمت قسمين اثنين والدليل عليه ما روي أن النبي ( ﷺ ) قال ( يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) والحديث مشهور الرابع سميت مثاني لأنها قسمان ثناء ودعاء وأيضاً النصف الأول منها حق الربوبية وهو الثناء والنصف الثاني حق العبودية وهو الدعاء الخامس سميت الفاتحة بالمثاني لأنها نزلت مرتين مرة بمكة في أوائل ما نزل من القرآن ومرة بالمدينة السادس سميت بالمثاني لأن كلماتها مثناة مثل الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ( الفاتحة ٢ ٧ ) وفي قراءة عمر ( غير المغضوب عليهم وغير الضالين )


الصفحة التالية
Icon