فيدخل تحت كونه نذيراً كونه مبلغاً لجميع التكاليف لأن كل ما كان واجباً ترتب على تركه عقاب وكل ما كان حراماً ترتب على فعله عقاب فكان الأخبار بحصول هذا العقاب داخلاً تحت لفظ النذير ويدخل تحته أيضاً كونه شارحاً لمراتب الثواب والعقاب والجنة والنار ثم أردفه بكونه مبيناً ومعناه كونه آتياً في كل ذلك بالبيانات الشافية والبينات الوافية ثم قال بعده كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ وفيه بحثان
البحث الأول اختلفوا في أن المقتسمين من هم وفيه أقوال
القول الأول قال ابن عباس هم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان برسول الله ( ﷺ ) ويقرب عددهم من أربعين وقال مقاتل بن سليمان كانوا ستة عشر رجلاً بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عقبات مكة وطرقها يقولون لمن يسلكها لا تغتروا بالخارج منا والمدعي للنبوة فإنه مجنون وكانوا ينفرون الناس عنه بأنه ساحر أو كاهن أو شاعر فأنزل الله تعالى بهم خزياً فماتوا شر ميتة والمعنى أنذرتكم مثل ما نزل بالمقتسمين
والقول الثاني وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما في بعض الروايات أن المقتسمين هم اليهود والنصارى واختلفوا في أن الله تعالى لم سماهم مقتسمين فقيل لأنهم جعلوا القرآن عضين آمنوا بما وافق التوراة وكفروا بالباقي وقال عكرمة لأنهم اقتسموا القرآن استهزاء به فقال بعضهم سورة كذا لي وقال بعضهم سورة كذا لي وقال مقاتل بن حبان اقتسموا القرآن فقال بعضهم سحر وقال بعضهم شعر وقال بعضهم كذب وقال بعضهم أساطير الأولين
والقول الثالث في تفسير المقتسمين قال ابن زيد هم قوم صالح تقاسموا لنبيتنه وأهله فرمتهم الملائكة بالحجارة حتى قتلوهم فعلى هذا والاقتسام من القسم لا من القسمة وهو اختيار ابن قتيبة
البحث الثالث أن قوله كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ يتقضي تشبيه شيء بذلك فما ذلك الشيء
والجواب عنه من وجهين
الوجه الأول التقدير ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم كما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين حيث قالوا بعنادهم وجهلهم بعضه حق موافق للتوارة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل
فإن قيل فعلى هذا القول كيف توسط بين المشبه والمشبه به قوله وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ( الحجر ٨٨ ) إلى آخره
قلنا لما كان ذلك تسلية لرسول الله ( ﷺ ) عن تكذيبهم وعداوتهم اعترض بما هو مدار لمعنى التسلية من النهي عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم
والوجه الثاني أن يتعلق هذا الكلام بقوله وَقُلْ إِنّى أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ
واعلم أن هذا الوجه لا يتم إلا بأحد أمرين إما التزام إضمار أو التزام حذف أما الإضمار فهو أن يكون التقدير إني أنا النذير المبين عذاباً كما أنزلناه على المقتسمين وعلى هذا الوجه المفعول محذوف وهو المشبه ودل عليه المشبه به وهذا كما تقول رأيت كالقمر في الحسن أي رأيت إنساناً كالقمر في


الصفحة التالية
Icon