وتنتفعون بألبانها ونتاجها وجلودها وتشترون بها جميع أطعمتكم
والجواب عن السؤال الثاني أن الملبوس أكثر بقاء من المطعوم فلهذا قدمه عليه في الذكر
واعلم أن هذه المنافع الثلاثة هي المنافع الضرورية الحاصلة من الأنعام وأما المنافع الحاصلة من الأنعام التي هي ليست بضرورية فأمور
المنفعة الأولى قوله تعالى وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ الإراحة رد الإبل بالعشي إلى مراحها حيث تأوي إليه ليلاً ويقال سرح القوم إبلهم سرحاً إذا أخرجوها بالغداة إلى المرعى قال أهل اللغة هذه الإراحة أكثر ما تكون أيام الربيع إذا سقط الغيث وكثر الكلأ وخرجت العرب للنجعة وأحسن ما يكون النعم في ذلك الوقت
واعلم أن وجه التجمل بها أن الراعي إذا روحها بالعشي وسرحها بالغداة تزينت عند تلك الإراحة والتسريح الأفنية وتجاوب فيها الثغاء والرغاء وفرحت أربابها وعظم وقعهم عند الناس بسبب كونهم مالكين لها
فإن قيل لم قدمت الإراحة على التسريح
قلنا لأن الجمال في الإراحة أكثر لأنها تقبل ملأى البطون حافلة الضروع ثم اجتمعت في الحظائر حاضرة لأهلها بخلاف التسريح فإنها عند خروجها إلى المرعى تخرج جائعة عادمة اللبن ثم تأخذ في التفرق والإنتشار فظهر أن الجمال في الإراحة أكثر منه في التسريح
والمنفعة الثانية قوله وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقّ الانفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وفيه مسألتان
المسألة الأولى الأثقال جمع ثقل وهو متاع المسافر لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس قال ابن عباس يريد من مكة إلى المدينة أو إلى اليمن أو إلى الشام أو إلى مصر قال الواحدي هذا قوله والمراد كل بلد لو تكلفتم بلوغه على غير إبل لشق عليكم وخص ابن عباس هذه البلاد لأن متاجر أهل مكة كانت إلى هذه البلاد وقرىء بِشِقّ الانفُسِ بكسر الشين وفتحها وأكثر القراء على كسر الشين والشق المشقة والشق نصف الشيء وحمل اللفظ ههنا على كلا المعنيين جائز فإن حملناه على المشقة كان المعنى لم يكونوا بالغيه إلا بالمشقة وإن حملناه على نصف الشيء كان المعنى لم يكونوا بالغيه إلا عند ذهاب النصف من قوتكم أو من بدنكم ويرجع عند التحقيق إلى المشقة ومن الناس من قال المراد من قوله وَالاْنْعَامَ خَلَقَهَا الإبل فقط بدليل أنه وصفها في آخر الآية بقوله وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ وهذا الوصف لا يليق إلا بالإبل
قلنا المقصود من هذه الآيات تعديد منافع الأنعام فبعض تلك المنافع حاصلة في الكل وبعضها مختص بالبعض والدليل عليه أن قوله وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حاصل في البقر والغنم مثل حصوله في الإبل والله أعلم
المسألة الثانية احتج منكرو كرامات الأولياء بهذه الآية فقالوا هذه الآية تدل على أن الإنسان لا


الصفحة التالية
Icon