يمكنه الانتقال من بلد إلى بلد إلا بشق الأنفس وحمل الأثقال على الجمال ومثبتو الكرامات يقولون إن الأولياء قد ينتقلون من بلد إلى بلد آخر بعيد في ليلة واحدة من غير تعب وتحمل مشقة فكان ذلك على خلاف هذه الآية فيكون باطلاً ولما بطل القول بالكرامات في هذه الصورة بطل القول بها في سائر الصور لأنه لا قائل بالفرق
وجوابه أنا نخصص عموم هذه الآية بالأدلة الدالة على وقوع الكرمات والله أعلم
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة ً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
اعلم أنه تعالى لما ذكر منافع الحيوانات التي ينتفع الإنسان بها في المنافع الضرورية والحاجات الأصلية ذكر بعده منافع الحيوانات التي ينتفع بها الإنسان في المنافع التي ليست بضرورية فقال وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة ً وفي الآية مسائل
المسألة الأولى قوله وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ عطف على الأنعام أي وخلق الأنعام لكذا وكذا وخلق هذه الأشياء للركوب وقوله وَزِينَة ٌ أي وخلقها زينة ونظيره قوله تعالى زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ( فصلت ١٢ ) المعنى وحفظناها حفظاً قال الزجاج نصب قوله وَزِينَة ٌ على أنه مفعول له والمعنى وخالقها للزينة
المسألة الثانية احتج القائلون بتحريم لحوم الخيل بهذه الآية فقالوا منفعة الأكل أعظم من منفعة الركوب فلو كان أكل لحم الخيل جائزاً لكان هذا المعنى أولى بالذكر وحيث لم يذكره الله تعالى علمنا أنه يحرم أكله ويمكن أيضاً أن يقوي هذا الاستدلال من وجه آخر فيقال إنه تعالى قال في صفة الأنعام وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ( النحل ٥ ) وهذه الكلمة تفيد الحصر فيقتضي أن لا يجوز الأكل من غير الأنعام فوجب أن يحرم أكل لحم الخيل بمقتضى هذا الحصر ثم إنه تعالى بعد هذا الكلام ذكر الخيل والبغال والحمير وذكر أنها مخلوقة للركوب فهذا يقتضي أن منفعة الأكل مخصوصة بالأنعام وغير حاصلة في هذه الأشياء ويمكن الاستدلال بهذه الآية من وجه ثالث وهو أن قوله لِتَرْكَبُوهَا يقتضي أن تمام المقصود من خلق هذه الأشياء الثلاثة هو الركوب والزينة ولو حل أكلها لما كان تمام المقصود من خلقها هو الركوب بل كان حل أكلها أيضاً مقصوداً وحينئذ يخرج جواز ركوبها عن أن يكون تمام المقصود بل يصير بعض المقصود
وأجاب الواحدي بجواب في غاية الحسن فقال لو دلت هذه الآية على تحريم أكل هذه الحيوانات لكان تحريم أكلها معلوماً في مكة لأجل أن هذه السورة مكية ولو كان الأمر كذلك لكان قول عامة المفسرين والمحدثين أن لحوم الحمر الأهلية حرمت عام خيبر باطلاً لأن التحريم لما كان حاصلاً قبل هذا اليوم لم يبق لتخصيص هذا التحريم بهذه الشبهة فائدة وهذا جواب حسن متين
المسألة الثالثة القائلون بأن أفعال الله تعالى معللة بالمصالح والحكم احتجوا بظاهر هذه الآية فإنه يقتضي أن هذه الحيوانات مخلوقة لأجل المنفعة الفلانية ونظيره قوله كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ( إبراهيم ١ )


الصفحة التالية
Icon