وفي الآية مسائل
المسألة الأولى اعلم أنه تعالى لما بين أنه إنما أرسل محمداً ( ﷺ ) إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور وذكر كمال إنعامه عليه وعلى قومه في ذلك الإرسال وفي تلك البعثة أتبع ذلك بشرح بعثة سائر الأنبياء إلى أقوامهم وكيفية معاملة أقوامهم معهم تصبيراً للرسول عليه السلام على أذى قومه وإرشاداً له إلى كيفية مكالمتهم ومعاملتهم فذكر تعالى على العادة المألوفة قصص بعض الأنبياء عليهم السلام فبدأ بذكر قصة موسى عليه السلام فقال وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِئَايَاتِنَا قال الأصم آيات موسى عليه السلام هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وانفجار العيون من الحجر وإظلال الجبل وإنزال المن والسلوى وقال الجبائي أرسل الله تعالى موسى عليه السلام إلى قومه من بني إسرائيل بآياته وهي دلالاته وكتبه المنزلة عليه وأمره أن يبين لهم الدين وقال أبو مسلم الأصفهاني إنه تعالى قال في صفة محمد ( ﷺ ) كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ( إبراهيم ١ ) وقال في حق موسى عليه السلام أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ والمقصود بيان أن المقصود من البعثة واحد في حق جميع الأنبياء عليهم السلام وهو أن يسعوا في إخراج الخلق من ظلمات الضلالات إلى أنوار الهدايات
المسألة الثانية قال الزجاج قوله أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ أي بأن أخرج قومك ثم قال ءانٍ ههنا تصلح أن تكون مفسرة بمعنى أي ويكون المعنى ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أي أخرج قومك كأن المعنى قلنا له أخرج قومك ومثله قوله وَانطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ ( ص ٦ ) أي أمشوا والتأويل قيل لهم امشوا وتصلح أيضاً أن تكون المخففة التي هي للخبر والمعنى أرسلناه بأن يخرج قومه إلا أن الجار حذف ووصلت ( أن ) بلفظ الأمر ونظيره قولك كتبت إليه أن قم وأمرته أن قم ثم إن الزجاج حكى هذين القولين عن سيبويه
أما قوله وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ فاعلم أنه تعالى أمر موسى عليه السلام في هذا المقام بشيئين أحدهما أن يخرجهم من ظلمات الكفر والثاني أن يذكرهم بأيام الله وفيه مسألتان
المسألة الأولى قال الواحدي أيام جمع يوم واليوم هو مقدار المدة من طلوع الشمس إلى غروبها وكانت الأيام في الأصل أيوام فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت إحداهما في الأخرى وغلبت الياء
المسألة الثانية أنه يعبر بالأيام عن الوقائع العظيمة التي وقعت فيها يقال فلان عالم بأيام العرب ويريد وقائعها وفي المثل من ير يوماً ير له معناه من رؤي في يوم مسروراً بمصرع غيره ير في يوم آخر حزيناً بمصرع نفسه وقال تعالى وَتِلْكَ الاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ( آل عمران ١٤٠ )
إذا عرفت هذا فالمعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد فالترغيب والوعد أن يذكرهم ما أنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل في سائر ما سلف من الأيام والترهيب والوعيد أن يذكرهم بأس الله وعذابه وانتقامه ممن كذب الرسل ممن سلف من الأمم فيما سلف من الأيام مثل ما نزل بعاد وثمود وغيرهم من العذاب ليرغبوا في الوعد فيصدقوا ويجذروا من الوعيد فيتركوا التكذيب
واعلم أن أيام الله في حق موسى عليه السلام منها ما كان أيام المحنة والبلاء وهي الأيام التي كانت بنو