السؤال الأول هل تقولون إن الله تعالى هو الخالق لهذه الثمرات عقيب وصول الماء إليها بمجرى العادة أو تقولون إن الله تعالى خلق في الماء طبيعة مؤثرة وفي الأرض طبيعة قابلة فإذا اجتمعا حصل الأثر من تلك القوة التي خلقها الله تعالى والجواب لا شك أن على كلا القولين لا بدّ من الصانع الحكيم وأما التفصيل فنقول لا شك أنه تعالى قادر على خلق هذه الثمار ابتداء من غير هذه الوسائط لأن الثمرة لا معنى لها إلا جسم قام به طعم ولون ورائحة ورطوبة والجسم قابل لهذه الصفات وهذه الصفات مقدورة لله تعالى ابتداء لأن المصحح للمقدورية إما الحدوث أو الإمكان وإما هما وعلى التقديرات فإنه يلزم أن يكون الله تعالى قادراً على خلق هذه الأعراض في الجسم ابتداء بدون هذه الوسائط ومما يؤكد هذا الدليل العقلي من الدلائل النقلية ما ورد الخبر بأنه تعالى يخترع نعيم أهل الجنة للمثابين من غير هذه الوسائط إلا أنا نقول قدرته على خلقها ابتداء لا تنافي قدرته عليها بواسطة خلق هذه القوى المؤثرة والقابلة في الأجسام وظاهر قول المتأخرين من المتكلمين إنكار ذلك ولا بدّ فيه من دليل السؤال الثاني لما كان قادراً على خلق هذه الثمار بدون هذه الوسائط فما الحكمة في خلقها بهذه الوسائط في هذه المدة الطويلة والجواب يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ثم ذكروا من الحكم المفصلة وجوهاً أحدها أنه تعالى إنما أجرى العادة بأن لا يفعل ذلك إلا على ترتيب وتدريج لأن المكلفين إذا تحلوا المشقة في الحرث والغرس طلباً للثمرات وكدوا أنفسهم في ذلك حالاً بعد حال علموا أنهم لما احتاجوا إلى تحمل هذه المشاق لطلب هذه المنافع الدنيوية فلأن يتحملوا مشاق أقل من المشاق الدنيوية لطلب المنافع الأخروية التي هي أعظم من المنافع الدنيوية كان أولى وصار هذا كما قلنا أنه تعالى قادر على خلق الشفاء من غير تناول الدواء لكنه أجرى عادته بتوقيفه عليه لأنه إذا تحمل مرارة الأدوية دفعاً لضرر المرض فلأن يتحمل مشاق التكليف دفعاً لضرر العقاب كان أولى وثانيها أنه تعالى لو خلقها دفعة من غير هذه الوسائط لحصل العلم الضروري بإسنادها إلى القادر الحكيم وذلك كالمنافي للتكليف والابتلاء أما لو خلقها بهذه الوسائط فحينئذٍ يفتقر المكلف في إسنادها إلى القادر إلى نظر دقيق وفكر غامض فيستوجب الثواب ولهذا قيل لولا الأسباب لما ارتاب مرتاب وثالثها أنه ربما كان للملائكة ولأهل الاستبصار عبر في ذلك وأفكار صائبة السؤال الثالث قوله وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء يقتضي نزول المطر من السماء وليس الأمر كذلك فإن الأمطار إنما تتولد من أبخرة ترتفع من الأرض وتتصاعد إلى الطبقة الباردة من الهواء فتجتمع هناك بسبب البرد وتنزل بعد اجتماعها وذلك هو المطر والجواب من وجوه أحدها أن السماء إنما سميت سماء لسموها فكل ما سماك فهو سماء فإذا نزل من السحاب فقد نزل من السماء وثانيها أن المحرك لإثارة تلك الأجزاء الرطبة من عمق الأرض الأجزاء الرطبة أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَآء وثالثها أن قول الله هو الصدق وقد أخبر أنه تعالى ينزل المطر من السماء فإذا علمنا أنه مع ذلك ينزل من السحاب فيجب أن يقال ينزل من السماء إلى السحاب ومن السحاب إلى الأرض السؤال الرابع ما معنى من في قوله مِنَ الثَّمَراتِ الجواب فيه وجهان أحدهما التبعيض لأن المنكرين أعني ماء ورزقاً يكتنفانه وقد قصد بتنكيرهما معنى البعضية فكأنه قيل وأنزلنا من السماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم والثاني أن يكون للبيان كقولك أنفقت من الدراهم


الصفحة التالية
Icon