الصدق نزل شعره ولم يكن جيداً ألا ترى أن لبيد بن ربيعة وحسان بن ثابت لما أسلما نزل شعرهما ولم يكن شعرهما الإسلامي في الجودة كشعرهما الجاهلي وأن الله تعالى مع ما تنزه عن الكذب والمجازفة جاء بالقرآن فصيحاً كما ترى وثالثها أن الكلام الفصيح والشعر الفصيح إنما يتفق في القصيدة في البيت والبيتين والباقي لا يكون كذلك وليس كذلك القرآن لأنه كله فصيح بحيث يعجز الخلق عنه كما عجزوا عن جملته ورابعها أن كل من قال شعراً فصيحاً في وصف شيء فإنه إذا كرره لم يكن كلامه الثاني في وصف ذلك الشيء بمنزلة كلامه الأول وفي القرآن التكرار الكثير ومع ذلك كل واحد منها في نهاية الفصاحة ولم يظهر التفاوت أصلاً وخامساً أنه اقتصر على إيجاب العبادات وتحريم القبائح والحث على مكارم الأخلاق وترك الدنيا واختيار الآخرة وأمثال هذه الكلمات توجب تقليل الفصاحة وسادسها أنهم قالوا إن شعر امرىء القيس يحسن عند الطرب وذكر النساء وصفة الخيل وشعر النابغة عند الخوف وشعر الأعشى عند الطلب ووصف الخمر وشعر زهير عند الرغبة والرجاء وبالجملة فكل شاعر يحسن كلامه في فن فإنه يضعف كلامه في غير ذلك الفن أما القرآن فإنه جاء فصيحاً في كل الفنون على غاية الفصاحة ألا ترى أنه سبحانه وتعالى قال في الترغيب فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِى َ لَهُم مّن قُرَّة ِ أَعْيُنٍ ( السجدة ١٧ ) وقال تعالى وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الاْنْفُسُ وَتَلَذُّ الاْعْيُنُ ( الزخرف ٧١ ) وقال في الترهيب أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرّ الاْيَاتِ ( الإسراء ٦٨ ) وقال مَّن فِى السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الاْرْضَ فَإِذَا هِى َ تَمُورُ أَمْ أَمْ أَمِنتُمْ ( الملك ١٦ ١٧ ) الآية وقال وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ( إبراهيم ١٥ ) إلى قوله فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ إلى قوله وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا ( العنكبوت ٤٠ ) وقال في الوعظ ما لا مزيد عليه أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ وقال في الإلهيات اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى مَا تَغِيضُ الاْرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ( الرعد ٨ ) إلى آخره وسابعها أن القرآن أصل العلوم كلها فعلم الكلام كله في القرآن وعلم الفقه كله مأخوذ من القرآن وكذا علم أصول الفقه وعلم النحو واللغة وعلم الزهد في الدنيا وأخبار الآخرة واستعمال مكارم الأخلاق ومن تأمل ( كتابنا في دلائل الإعجاز ) علم أن القرآن قد بلغ في جميع وجوه الفصاحة إلى النهاية القصوى الطريق الثاني أن نقول القرآن لا يخلوا إما أن يقال إنه كان بالغاً في الفصاحة إلى حد الإعجاز أو لم يكن كذلك فإن كان الأول ثبت أنه معجز وإن كان الثاني كانت المعارضة على هذا التقدير ممكنة فعدم إتيانهم بالمعارضة مع كون المعارضة ممكنة ومع توفر دواعيهم على الإتيان بها أمر خارق العادة فكان ذلك معجزاً فثبت أن القرآن معجز على جميع الوجوه وهذا الطريق عندنا أقرب إلى الصواب
المسألة الثانية إنما قال وسابعها أن القرآن أصل العلوم كلها فعلم الكلام كله في القرآن وعلم الفقه كله مأخوذ من القرآن وكذا علم أصول الفقه وعلم النحو واللغة وعلم الزهد في الدنيا وأخبار الآخرة واستعمال مكارم الأخلاق ومن تأمل ( كتابنا في دلائل الإعجاز ) علم أن القرآن قد بلغ في جميع وجوه الفصاحة إلى النهاية القصوى الطريق الثاني أن نقول القرآن لا يخلوا إما أن يقال إنه كان بالغاً في الفصاحة إلى حد الإعجاز أو لم يكن كذلك فإن كان الأول ثبت أنه معجز وإن كان الثاني كانت المعارضة على هذا التقدير ممكنة فعدم إتيانهم بالمعارضة مع كون المعارضة ممكنة ومع توفر دواعيهم على الإتيان بها أمر خارق العادة فكان ذلك معجزاً فثبت أن القرآن معجز على جميع الوجوه وهذا الطريق عندنا أقرب إلى الصواب
المسألة الثانية إنما قال نَزَّلْنَا على لفظ التنزيل دون الإنزال لأن المراد النزول على سبيل التدريج وذكر هذا اللفظ هو اللائق بهذا المكان لأنهم كانوا يقولون لو كان هذا من عند الله ومخالفاً لما يكون من عند الناس لم ينزل هكذا نجوماً سورة بعد سورة على حسب النوازل ووقوع الحوادث وعلى سنن ما


الصفحة التالية
Icon