وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ الْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( النحل ٣٨ ) وقال في سورة التغابن زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَى وَرَبّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ( التغابن ٧ ) الوجه الثاني أنه تعالى أثبت إمكان الحشر والنشر بناءً على أنه تعالى قادر على أمور تشبه الحشر والنشر وقد قرر الله تعالى هذه الطريقة على وجوه فأجمعها ما جاء في سورة الواقعة فإنه تعالى ذكر فيها حكاية عن أصحاب الشمال أنهم كانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون فأجابهم الله تعالى بقوله قُلْ إِنَّ الاْوَّلِينَ وَالاْخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ( الواققعة ٤٩ ) ثم إنه تعالى احتج على إمكانه بأمور أربعة أولها قوله أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ ( الواقعة ٥٨ ) وجه الاستدلال بذلك أن المني إنما يحصل من فضلة الهضم الرابع وهو كالطل المنبث في آفاق أطراف الأعضاء ولهذا تشترك الأعضاء في الالتذاذ بالوقاع بحصول الانحلال عنها كلها ثم إن الله تعالى سلط قوة الشهوة على البقية حتى أنها تجمع تلك الأجزاء الطلية فالحاصل أن تلك الأجزاء كانت متفرقة جداً أولاً في أطراف العالم ثم أنه تعالى جمعها في بدن ذلك الحيوان ثم إنها كانت متفرقة في أطراف بدن ذلك الحيوان فجمعها الله سبحانه وتعالى في أوعية المني ثم إنه تعالى أخرجها ماء دافقاً إلى قرار الرحم فإذا كانت هذه الأجزاء متفرقة فجمعها وكون منها ذلك الشخص فإذا افترقت بالموت مرة أخرى فكيف يمتنع عليه جمعها مرة أخرى فهذا تقرير هذه الحجة وإن الله تعالى ذكرها في مواضع من كتابه منها في سورة الحج السَّعِيرِ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مّن تُرَابٍ إلى قوله وَتَرَى الاْرْضَ هَامِدَة ً ثم قال ذالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْى ِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلّ شَى ْء قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَة َ ءاتِيَة ٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ ( الحج ٦ ٧ ) وقال في سورة قد أفلح المؤمنون بعد ذكر مراتب الخلقة ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذالِكَ لَمَيّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ تُبْعَثُونَ ( المؤمنون ١٥ ١٦ ) وقال في سورة لا أقسم أَلَمْ يَكُ نُطْفَة ً مّن مَّنِى ّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَة ً فَخَلَقَ فَسَوَّى ( القيامة ٣٧ ٣٨ ) وقال في سورة الطارق فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ يَخْرُجُ إلى قوله إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ( الطارق ٥ ٨ ) وثانيها قوله أَفَرَءيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ تَزْرَعُونَهُ أَمْ إلى قوله بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ( الواقعة ٦٧ ) وجه الاستدلال به أن الحب وأقسامه من مطول مشقوق وغير مشقوق كالأرز والشعير ومدور ومثلث ومربع وغير ذلك على اختلاف أشكاله إذا وقع في الأرض الندية واستولى عليه الماء والتراب فالنظر العقلي يقتضي أن يتعفن ويفسد لأن أحدهما يكفي في حصول العفونة ففيهما جميعاً أولى ثم إنه لا يفسد بل يبقى محفوظاً ثم إذا ازدادت الرطوبة تنفلق الحبة فلقتين فيخرج منها ورقتان وأما المطول فيظهر في رأسه ثقب وتظهر الورقة الطويلة كما في الزرع وأما النوى فما فيه من الصلابة العظيمة التي بسببها يعجز عن فلقه أكثر الناس إذا وقع في الأرض الندية ينفلق بإذن الله ونواة التمر تنفلق من نقرة على ظهرها ويصير مجموع النواة من نصفين يخرج من أحد النصفين الجزء الصاعد ومن الثاني الجزء الهابط أما الصاعد فيصعد وأما الهابط فيغوص في أعماق الأرض والحاصل أنه يخرج من النواة الصغيرة شجرتان إحداهما خفيف صاعد والأخرى ثقيل هابط مع اتحاد العنصر واتحاد طبع النواة والماء والهواء والتربة أفلا يدل ذلك على قدرة كاملة وحكمة شاملة فهذا القادر كيف يعجز عن جمع الأجزاء وتركيب الأعضاء ونظيره قوله تعالى في الحج وَتَرَى الاْرْضَ هَامِدَة ً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ( الحج ٥ ) وثالثها قوله تعالى أَفَرَءيْتُمُ الْمَاء الَّذِى تَشْرَبُونَ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ ( الواقعة ٦٨ ٦٩ ) وتقديره أن الماء جسم ثقيل بالطبع وإصعاد الثقيل أمر على خلاف الطبع فلا بدّ من قادر


الصفحة التالية
Icon