يقتضي حصول المملوك في الحال فدل على أن الجنة والنار مخلوقتان
المسألة الثالثة اعلم أن مجامع اللذات إما المسكن أو المطعم أو المنكح فوصف الله تعالى المسكن بقوله جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ والمطعم بقوله كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَة ٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَاذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ والمنكح بقوله وَلَهُمْ فِيهَا أَزْواجٌ مُّطَهَّرَة ٌ ثم إن هذه الأشياء إذا حصلت وقارنها خوف الزوال كان التنعم منغصاً فبين تعالى أن هذا الخوف زائل عنهم فقال وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ فصارت الآية دالة على كمال التنعم والسرر ولنتكلم الآن في ألفاظ الآية
أما قوله تعالى وَبَشّرِ الَّذِينَ ءامَنُواْ ففيه سؤالات الأول علام عطف هذا الأمر والجواب من وجوه أحدها أنه ليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يطلب له مشاكل من أمر أو نهي يعطف عليه إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين كما تقول زيد يعاقب بالقيد والضرب وبشر عمراً بالعفو والإطلاق وثانيها أنه معطوف على قوله فَاتَّقُواْ كما تقول يا بني تميم احذروا عقوبة ما جنيتم وبشر يا فلان بني أسد بإحساني إليهم وثالثها قرأ زيد بن علي وَبَشّرِ على لفظ المبني للمفعول عطفاً على أعدت السؤال الثاني من المأمور بقوله وبشر والجواب يجوز أن يكون رسول الله ( ﷺ ) وأن يكون كل أحد كما قال عليه الصلاة والسلام ( بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة ) لم يأمر بذلك واحد بعينه وإنما كل أحد مأمور به وهذا الوجه أحسن وأجزل لأنه يؤذن بأن هذا الأمر لعظمته وفخامته حقيق بأن يبشر به كل من قدر على البشارة به السؤال الثالث ما البشارة الجواب أنها الخبر الذي يظهر السرور ولهذا قال الفقهاء إذا قال لعبيده أيكم بشرني بقدوم فلان فهو حر فبشروه فرادى عتق أولهم لأنه هو الذي أفاد خبره السرور ولو قال مكان بشرني أخبرني عتقوا جميعاً لأنهم جميعاً أخبروه ومنه البشرة لظاهر الجلد وتباشير الصبح ما ظهر من أوائل ضوئه وأما فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ فمن الكلام الذي يقصد به الاستهزاء الزائد في غيظ المستهزأ به كما يقول الرجل لعدوه أبشر بقتل ذريتك ونهب مالك أما قوله الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ ففيه مسائل
المسألة الأولى هذه الآية تدل على أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان لأنه لما ذكر الإيمان ثم عطف عليه العمل الصالح وجب التغاير وإلا لزم التكرار وهو خلاف الأصل
المسألة الثانية من الناس من أجرى هذه الآية على ظاهرها فقال كل من أتى بالإيمان والأعمال الصالحة فله الجنة فإذا قيل له ما قولك فيمن أتى بالإيمان والأعمال الصالحة ثم كفر قال إن هذا ممتنع لأن فعل الإيمان والطاعة يوجب استحقاق الثواب الدائم وفعل الكفر استحقاق العقاب الدائم والجمع بينهما محال والقول أيضاً بالتحابط محال فلم يبق إلا أن يقال هذا الفرض الذي فرضتموه ممتنع وإنما قلنا إن القول بالتحابط محال لوجوه


الصفحة التالية
Icon