أيها المخاطب لما أشرت إليه فإنه حاضر لك بحيث تراه وقد تدخل الكاف على ( ذا ) للمخاطبة واللام لتأكيد معنى الإشارة فقيل ( ذلك ) فكأن المتكلم بالغ في التنبيه لتأخر المشار إليه عنه فهذا يدل على أن لفظة ذلك لا تفيدالبعد في أصل الوضع بل اختص في العرف بالإشارة إلى البعيد للقرينة التي ذكرناها فصارت كالدابة فإنها مختصة في العرف بالفرس وإن كانت في أصل الوضع متناولة لكل ما يدب على الأرض وإذا ثبت هذا فنقول إنا نحمله ههنا على مقتضى الوضع اللغوي لا على مقتضى الوضع العرفي وحينئذٍ لا يفيد البعد ولأجل هذه المقاربة يقام كل واحد من اللفظين مقام الآخر قال تعالى وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْراهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِلَى قَوْلُهُ وَكُلٌّ مّنَ الاْخْيَارِ ( ص ٤٥ ٤٨ ) ثم قال هَاذَا ذِكْرُ ( الأنبياء ٢٤ ) وقال وَعِندَهُمْ قَاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ هَاذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ( ص ٥٢ ٥٣ ) وقال وَجَاءتْ سَكْرَة ُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ( ق ١٩ ) وقال فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الاْخِرَة ِ وَالاْوْلَى إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَة ً لّمَن يَخْشَى ( النازعات ٢٥ ٢٦ ) وقال وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذّكْرِ أَنَّ الاْرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِى َ الصَّالِحُونَ ( الأنبياء ١٠٥ ) ثم قال إِنَّ فِى هَاذَا لَبَلَاغاً لّقَوْمٍ عَابِدِينَ ( الأنبياء ١٠٦ ) وقال فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذالِكَ يَحْيَى اللَّهُ الْمَوْتَى ( البقرة ٧٣ ) أي هكذا يحيى الله الموتى وقال وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يامُوسَى مُوسَى ( طه ١٧ ) أي ما هذه التي بيمينك والله أعلم
المسألة الثانية لقائل أن يقول لم ذكر اسم الإشارة والمشار إليه مؤنث وهو السورة الجواب لا نسلم أن المشار إليه مؤنث لأن المؤنث إما المسمى أو الاسم والأول باطل لأن المسمى هو ذلك البعض من القرآن وهو ليس بمؤنث وأما الاسم فهو ( آلم ) وهو ليس بمؤنث نعم ذلك المسمى له اسم آخر وهو السورة وهو مؤنث لكن المذكور السابق هو الاسم الذي ليس بمؤنث وهو ( آلم ) لا الذي هو مئنث وهو السورة
مدلول لفظ ( كتاب )
المسألة الثالثة اعلم أن أسماء القرآن كثيرة أحدها الكتاب وهو مصدر كالقيام والصيام وقيل فعال بمعنى مفعول كاللباس بمعنى الملبوس واتفقوا على أن المراد من الكتاب القرآن قال كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ( ص ٢٩ ) والكتاب جاء في القرآن على وجوه أحدها الفرض كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ( البقرة ١٧٨ ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ ( البقرة ١٨٣ ) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَواة َ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً ( النساء ١٠٣ ) وثانيها الحجة والبرهان فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( الصافات ١٥٧ ) أي برهانكم وثالثها الأجل وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَة ٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ ( الحجر ٤ ) أي أجل ورابعها بمعنى مكاتبة السيد عبده وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ( النور ٣٣ ) وهذا المصدر فعال بمعنى المفاعلة كالجدال والخصام والقتال بمعنى المجادلة والمخاصمة والمقاتلة واشتقاق الكتاب من كتبت الشيء إذا جمعته وسميت الكتيبة لاجتماعها فسمي الكتاب كتاباً لأنه كالكتيبة على عساكر الشبهات أو لأنه اجتمع فيه جميع العلوم أو لأن الله تعالى ألزم فيه التكاليف على الخلق
اشتقاق لفظ ( قرآن )
وثانيها القرآن قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَاذَا الْقُرْءانِ ( الإسراء ٨٨ ) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً ( الزخرف ٣ ) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ( البقرة ١٨٥ ) إِنَّ هَاذَا الْقُرْءانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِى َ أَقْوَمُ ( الإسراء ٩ ) وللمفسرين فيه قولان أحدهما قول ابن عباس أن القرآن والقراءة


الصفحة التالية
Icon