لها أثراً في ترجيح جانب الضلال على جانب الاهتداء كالعذر للمكلف في عدم الإبقدام على الطاعة فوجب أن يقبح ذلك من الله تعالى وأما إن لم يكن لذلك أثر في إقدامهم على ترجيح جانب الضلال على جانب بالاهتداء كانت نسبة هذه المتشابهات إلى ضلالهم كصرير الباب ونعيق الغراب فكما أن ضلالهم لا ينسب إلى هذه الأمور الأجنبية كذلك وجب أن لا ينسب إلى هذه المتشابهات بوجه ما وحينئذٍ يبطل تأويلهم أما التأويل الثاني وهو التسمية والحكم فهو وإن كان في غاية البعد لكن الإشكال معه باقٍ لأنه إذا سماه الله بذلك وحكم به عليه فلو لم يأتِ المكلف به لانقلب خبر الله الصدق كذباً وعلمه جهلاً وكل ذلك محال والمفضي إلى المحال محال فكان عدم إتيان المكلف به محالاً وإتيانه به واجباً وهذا عين الجبر الذي تفرون منه وأنه ملاقيكم لا محالة وههنا ينتهي البحث إلى الجوابين المشهورين لهما في هذا المقام وكل عاقل يعلم ببديهة عقله سقوط ذلك وأما التأويل الثالث وهو التخلية وترك المنع فهذا إنما يسمى إضلالاً إذا كان الأنول والأحسن بالوالد أن يمنعه عن ذلك فأما إذا كان الولد بحيث لو منعه والده عن ذلك لوقع في مفسدة أعظم من تلك المفسدة الأولى لم يقل أحد أنه أفسد ولده وأضله وههنا الأمر بخلاف ذلك لأنه تعالى لو منع المكلف جبراً عن هذه المفسدة لزمت مفسدة أخرى أعظم من الأولى فكيف يقال إنه تعالى أفسد المكلف وأضله بمعنى أنه ما منعه عن الضلال مع أنه لو منعه لكانت تلك المفسدة أعظم وأما التأويل الرابع فقد اعتراض القفال عليه فقال لا نسلم بأن الضلال جاء بمعنى العذاب أما قوله تعالى إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ( القمر ٤٧ ) فيمكن أن يكون المراد في ضلال عن الحق في الدنيا وفي سعر أي في عذاب جهنم في الآخرة ويكون قوله يَوْمَ يُسْحَبُونَ من صلة سعر وأما قوله تعالى إِذَا الاْغْلَالُ فِى أَعْنَاقِهِمْ إلى قوله كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ فمعنى قوله ضلوا عنا أي بطلوا فلم ينتفع بهم في هذا اليوم الذي كنا نرجو شفاعتهم فيه ثم قوله كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ قد يكون على معنى كذلك يضل الله أعمالهم أي يحبطها يوم القيامة ويحتمل كذلك يخذلهم الله تعالى في الدنيا فلا يوفقهم لقبول الحق إذ ألفوا الباطل وأعرضوا عن التدبر فإذا خذلهم الله تعالى وأتوا يوم القيامة فقد بطلت أعمالهم التي كانوا يرجون الانتفاع بها في الدنيا وأما التأويل الخامس وهو الإهلاك فغير لائق بهذا الموضع لأن قوله تعالى وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا يمنع من حمل الإضلال على الإهلاك وأما التأويل السادس وهو أنه يضله عن طريق الجنة فضعيف لأنه تعالى قال يُضِلُّ بِهِ أي يضل بسبب استماع هذه الآيات والإضلال عن طريق الجنة ليس بسبب استماع هذه الآيات بل بسبب إقدامه على القبائح فكيف يجوز حمله عليه وأما التأويل السابع وهو أن قوله يُضِلُّهُ أي يجده ضالاً قد بينا أن إثبات هذه اللغة لا دليل عليه وأيضاً فلأنه عدى الإضلال بحرف الباء فقال يُضِلُّ بِهِ والإضلال بمعنى الوجدان لا يكون معدى بحرف الباء


الصفحة التالية
Icon