في جعله رسولاً فائدة وهذا الوجه ليس في غاية القوة وثالثها قوله تعالى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فهذه الآية دل على أنه تعالى إنما اجتباه بعد الزلة فوجب أن يقال إنه قبل الزلة ما كان مجتبى وإذا لم يكن ذلك الوقت مجتبى وجب أن لا يكون رسولاً لأن الرسالة والاجتباء متلازمان لأن الاجتباء لا معنى له إلا التخصيص بأنواع التشريفات وكل من جعله الله رسولاً فقد خصه بذلك لقوله تعالى اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ( الأنعام ١٢٤ )
المسألة الخامسة ذكروا في قوله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وجوهاً أحدها معناه أعلموني أسماء هؤلاء إن علمتم أنكم تكونون صادقين في ذلك الأعلام وثانيها معناه أخبروني ولا تقولوا إلا حقاً وصدقاً فيكون الغرض منه التوكيد لما نبههم عليه من القصور والعجز لأنه متى تمكن في أنفسهم العلم بأنهم إن أخبروا لم يكونوا صادقين ولا لهم إليه سبيل علموا أن ذلك متعذر عليهم وثالثها إن كنتم صادقين في قولكم أنه لا شيء مما يتعبد به الخلق إلا وأنتم تصلحون وتقومون به وهو قول ابن عباس وابن مسعود ورابعها إن كنتم صادقين في قولكم إني لم أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء
المسألة السادسة هذه الآية دالة على فضل العلم فإنه سبحانه ما أظهر كمال حكمته في خلقه آدم عليه السلام إلا بأن أظهر علمه فلو كان في الإمكان وجود شيء من العلم أشرف من العلم لكان من الواجب إظهار فضله بذلك الشيء لا بالعلم واعلم أنه يدل على فضيلة العلم الكتاب والسنة والمنقول أما الكتاب فوجوه الأول أن الله تعالى سمى العلم بالحكمة ثم إنه تعالى عظم أمر الحكمة وذلك يدل على عظم شأن العلم بيان أنه تعالى سمى العلم بالحكمة ما يروى عن مقاتل أنه قال تفسر الحكمة في القرآن على أربعة أوجه أحدها مواعظ القرآن قال في البقرة وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَة ِ ( البقرة ٢٣١ ) يعني مواعظ القرآن وفي النساء وَأَنزَلَ عَلَيْكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة َ يعني المواعظ ومثلها في آل عمران وثانيها الحكمة بمعنى الفهم والعلم قوله تعالى وَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ( مريم ١٢ ) وفي لقمان وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَة َ ( لقمان ١٢ ) يعني الفهم والعلم وفي الأنعام أُوْلَائكَ الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ ( الأنعام ٨٩ ) وثالثها الحكمة بمعنى النبوة في النساء فَقَدْ ءاتَيْنَا ءالَ إِبْراهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة َ يعني النبوة وفي ص وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ يعني النبوة وفي البقرة وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَة َ ورابعها القرآن في النحل ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَة ِ ( النساء ٥٤ ) وفي البقرة وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَة َ فَقَدْ أُوتِى َ خَيْرًا كَثِيرًا ( البقرة ٢٦٩ ) وجميع هذه الوجوه عند التحقيق ترجع إلى العلم ثم تفكر أن الله تعالى ما أعطى من العلم إلا القليل قال وَمَا أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ( الإسراء ٨٥ ) وسمى الدنيا بأسرها قليلاً قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ( النساء ٧٧ ) فما سماه قليلاً لا يمكننا أن ندرك كميته فما ظنك بما سماه كثيراً ثم البرهان العقلي على قلة الدنيا وكثرة الحكمة أن الدنيا متناهي القدر متناهي العدد متناهي المدة والعلم لا نهاية لقدره وعدده ومدته ولا للسعادات الحاصلة منه وذلك ينبهك على فضيلة العلم الثاني قوله تعالى قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ( الزمر ٩ ) وقد فرق بين سبع نفر


الصفحة التالية
Icon