كما تقول هو الرجل أي الكامل في الرجولية الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال وأن يكون الكتاب صفة ومعناه هو ذلك الكتاب الموعود وأن يكون الم خبر مبتدأ محذوف أي هذه الم وَيَكُونَ ذالِكَ الْكِتَابُ خبراً ثانياً أو بدلاً على أن الكتاب صفة ومعناه هو ذلك وأن تكون هذه الم جملة و ذالِكَ الْكِتَابُ جملة أخرى وإن جعلت الم بمنزلة الصوت كان ذالِكَ مبتدأ وخبره الْكِتَابِ أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل أو الكتاب صفة والخبر ما بعده أو قدر مبتدأ محذوف أي هو يعني المؤلف من هذه الحروف ذلك الكتاب وقرأ عبد الله الم تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ( السجدة ٢ ) وتأليف هذا ظاهر
تفسير قوله تعالى لاَ رَيْبَ فِيهِ
قوله تعالى لاَ رَيْبَ فِيهِ فيه مسألتان
المسألة الأولى الريب قريب من الشك وفيه زيادة كأنه ظن سوء تقول رابني أمر فلان إذا ظننت به سوء ومنها قوله عليه السلام ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) فإن قيل قد يستعمل الريب في قولهم ( ريب الدهر ) و ( ريب الزمان ) أي حوادثه قال الله تعالى نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ( الطور ٣٠ ) ويستعمل أيضاً في معنى ما يختلج في القلب من أسباب الغيظ كقول الشاعر فقضينا من تهامة كل ريب
وخيبر ثم أجمعنا السيوفا
قلنا هذان قد يرجعان إلى معنى الشك لأن ما يخاف من ريب المنون محتمل فهو كالمشكوك فيه وكذلك ما اختلج بالقلب فهو غير متيقن فقوله تعالى لاَ رَيْبَ فِيهِ المراد منه نفي كونه مظنة للريب بوجه من الوجوه والمقصود أنه لا شبهة في صحته ولا في كونه من عند الله ولا في كونه معجزاً ولو قلت المراد لا ريب في كونه معجزاً على الخصوص كان أقرب لتأكيد هذا التأويل بقوله وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ( البقرة ٢٣ ) وها هنا سؤالات السؤال الأول طعن بعض الملحدة فيه فقال إن عني أنه لا شك فيه عندنا فنحن قد نشك فيه وإن عني أنه لا شك فيه عنده فلا فائدة فيه الجواب المراد أنه بلغ في الوضوح إلى حيث لا ينبغي لمرتاب أن يرتاب فيه والأمر كذلك لأن العرب مع بلوغهم في الفصاحة إلى النهاية عجزوا عن معارضة أقصر سورة من القرآن وذلك يشهد بأنه بلغت هذه الحجة في الظهور إلى حيث لا يجوز للعاقل أن يرتاب فيه السؤال الثاني لم قال ههنا لاَ رَيْبَ فِيهِ وفي موضع آخر لاَ فِيهَا غَوْلٌ ( الصافات ٤٧ ) الجواب لأنهم يقدمون الأهم فالأهم وههنا الأهم نفي الريب بالكلية عن الكتاب ولو قلت لا فيه ريب لأوهم أن هناك كتاباً آخر حصل الريب فيه لا ها هنا كما قصد في قوله لاَ فِيهَا غَوْلٌ تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا فإنها لا تغتال العقول كما تغتالها خمرة الدنيا السؤال الثالث من أين يدل قوله لاَ رَيْبَ فِيهِ على نفي الريب بالكلية الجواب قرأ أبو الشعثاء لاَ رَيْبَ فِيهِ بالرفع واعلم أن القراءة المشهورة توجب ارتفاع الريب بالكلية والدليل عليه أن قوله لاَ رَيْبَ نفي لماهية الريب ونفي الماهية يقتضي نفي كل فرد من


الصفحة التالية
Icon