بالعلم على الامتنان بالمال وقال أيضاً مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ ( الشورى ٥٢ ) وقال مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَاذَا ( هود ٤٩ ) ثم إنه أول ما أوحى إليه قال اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ ( العلق ١ ) ثم قال وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ( النساء ١١٣ ) وهو عليه الصلاة والسلام كان أبداً يقول أرنا الأشياء كما هي فلو لم يظهر للإنسان مما ذكرنا من الدلائل النقلية والعقلية شرف العلم لاستحال أن يظهر له شيء أصلاً وأيضاً فإن الله تعالى سمى العلم في كتابه بالأسماء الشريفة فمنها الحياة أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ( الأنعام ١٢٢ ) وثانيها الروح وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا ( الشورى ٥٢ ) وثالثها النور اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( النور ٣٥ ) وأيضاً قال تعالى في صفة طالوت إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة ً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ( البقرة ٢٤٧ ) فقدم العلم على الجسم ولا شك أن المقصود من سائر النعم سعادة البدن فسعادة البدن أشرف من السعادة المالية فإذا كانت السعادة العلمية راجحة على السعادة الجسمانية فأولى أن تكون راجحة على السعادة المالية وقال يوسف اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الاْرْضِ إِنّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ ( يوسف ٥٥ ) ولم يقل إني حسيب نسيب فصيح مليح وأيضاً فقد جاء في الخبر ( المرء بأصغريه قلبه ولسانه ) إن تكلم تكلم بلسانه وإن قاتل قاتل بجنانه قال الشاعر لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وأيضاً فإن الله تعالى قدم عذاب الجهل على عذاب النار فقال كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الْجَحِيمِ ( المطففين ١٥ ١٦ ) وقال بعضهم العلوم مطالعها من ثلاثة أوجه قلب متفكر ولسان معبر وبيان مصور قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( عين العلم من العلو ولامه من اللطف وميمه من المروءة ) وأيضاً قيل العلوم عشرة علم التوحيد للأديان وعلم السر لرد الشيطان وعلم المعاشرة للإخوان وعلم الشريعة للأركان وعلم النجوم للأزمان وعلم المبارزة للفرسان وعلم السياسة للسلطان وعلم الرؤيا للبيان وعلم الفراسة للبرهان وعلم الطب للأبدان وعلم الحقيقة للرحمن وأيضاً قيل ضرب المثل في العلم بالماء قوله تعالى أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَآء ( البقرة ٢٢ ) والمياه أربعة ماء المطر وماء السيل وماء القناة وماء العين فكذا العلوم أربعة علم التوحيد كماء العين لا يجوز تحريكه لئلا يتكدر وكذا لا ينبغي طلب معرفة كيفية الله عزّ وجلّ لئلا يحصل الكفر وعلم الفقه يزداد بالاستنباط كماء القناة يزداد بالحفر وعلم الزهد كماء المطر ينزل صافياً ويتكدر بغبار الهواء كذلك علم الزهد صاف ويتكدر بالطمع وعلم البدع كماء السيل يميت الأحياء ويهلك الخلق فكذا البدع والله أعلم
المسألة السابعة في أقوال الناس في حد العلم قال أبو الحسن الأشعري العلم ما يعلم به وربما قال ما يصير الذات به عالماً واعترضوا عليه بأن العالم والمعلوم لا يعرفان إلا بالعلم فتعريف العلم بهما دور وهو غير جائز أجاب عنه بأن علم الإنسان بكونه عالماً بنفسه وبألمه ولذاته علم ضروري والعلم بكونه عالماً بهذه الأشياء علم بأصل العلم لأن الماهية داخلة في الماهية المقيدة فكان علمه بكون العلم علماً علم ضروري فكان الدور ساقطاً وسيأتي مزيد تقريره إذا ذكرنا ما نختاره نحن في هذا الباب إن شاء الله تعالى وقال القاضي أبو بكر العلم معرفة المعلوم على ما هو عليه وربما قال العلم هو المعرفة والاعتراض على الأول أن قوله معرفة المعلوم تعريف العلم بالمعلوم فيعود الدور أيضاً فالمعرفة لا تكون إلا وفق المعلوم فقوله على ما هو


الصفحة التالية
Icon