الناقة ولهذا لما سئل بعض الصالحين عن العقل قال هو العلم بخير الخيرين وشر الشرين ولما سئل عن العاقل قال العاقل من عقل عن الله أمره ونهيه فهذا هو القدر اللائق بهذا المكان والاستقصاء فيه يجيء في موضع آخر إن شاء الله تعالى الحادي عشر الدراية وهي المعرفة الحاصلة بضرب من الحيل وهو تقديم المقدمات واستعمال الروية وأصله من دريت الصيد والدرية لما يتعلم عليه الطعن والمدرى يقال لما يصلح به الشعر وهذا لا يصح إطلاقه على الله تعالى لامتناع الفكر والحيل عليه تعالى الثاني عشر الحكمة وهي اسم لكل علم حسن وعمل صالح وهو بالعلم العملي أخص منه بالعلم النظري وفي العمل أكثر استعمالاً منه في العلم ومنها يقال أحكم العمل إحكاماً إذا أتقنه وحكم بكذا حكماً والحكمة من الله تعالى خلق ما فيه منفعة العباد ومصلحتهم في الحال وفي المآل ومن العباد أيضاً كذلك ثم قد حدت الحكمة بألفاظ مختلفة فقيل هي معرفة الأشياء بحقائقها وهذا إشارة إلى أن إدراك الجزئيات لا كمال فيه لأنها إدراكات متغيرة فأما إدراك الماهية فإنه باقٍ مصون عن التغير والتبدل وقيل هي الإتيان بالفعل الذي عاقبته محمودة وقيل هي الاقتداء بالخالق سبحانه وتعالى في السياسة بقدر الطاقة البشرية وذلك بأن يجتهد بأن ينزه علمه عن الجهل وفعله عن الجور وجوده عن البخل وحلمه عن السفه الثالث عشر علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين قالوا إن اليقين لا يحصل إلا إذا اعتقد أن الشيء كذا وأنه يمتنع كون الأمر بخلاف معتقده إذا كان لذلك الاعتقاد موجب هو إما بديهية الفطرة وإما نظر العقل الرابع عشر الذهن وهو قوة النفس على اكتساب العلوم التي هي غير حاصلة وتحقيق القول فيه إنه سبحانه وتعالى خلق الروح خالياً عن تحقيق الأشياء وعن العلم بها كما قال تعالى وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا لكنه سبحانه وتعالى إنما خلقها للطاعة على ما قال تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ( الذاريات ٥٦ ) والطاعة مشروطة بالعلم وقال في موضع آخر اتْلُ مَا لِذِكْرِى ( طه ١٤ ) فبين أنه أمر بالطاعة لغرض العلم والعلم لا بدّ منه على كل حال فلا بدّ وأن تكون النفس متمكنة من تحصيل هذه المعارف والعلوم فأعطاه الحق سبحانه من الحواس ما أعان على تحصيل هذا الغرض فقال في السمع وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ ( البلد ١٠ ) وقال في البصر سَنُرِيهِمْ ءايَاتِنَا فِى الاْفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ فصلت ٥٣ ) وقال في الفكر وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ( الذاريات ٢١ ) فإذا تطابقت هذه القوى صار الروح الجاهل عالماً وهو معنى قوله تعالى الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْءانَ ( الرحمن ١ ) فالحاصل أن استعداد النفس لتحصيل هذه المعارف هو الذهن الخامس عشر الفكر وهو انتقال الروح من التصديقات الحاضرة إلى التصديقات المستحضرة قال بعض المحققين إن الفكر يجري مجرى التضرع إلى الله تعالى في استنزال العلوم من عنده السادس عشر الحدس ولا شك أن الفكر لا يتم عمله إلا بوجدان شيء يتوسط بين طرفي المجهول لتصير النسبة المجهولة معلومة فإن النفس حال كونها جاهلة كأنها واقفة في ظلمة ولا بدّ لها من قائد يقودها وسائق يسوقها وذلك هو المتوسط بين الطرفين وله إلى كل واحد منهما نسبة خاصة فيتولد من نسبته إليهما مقدمتان فكل مجهول لا يحصل العلم به إلا بواسطة مقدمتين معلومتين والمقدمتان هما كالشاهدين فكم أنه


الصفحة التالية
Icon