اعلم أن الذين اعتقدوا أن الملائكة أتوا بالمعصية في قولهم أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا قالوا إنهم لما عرفوا خطأهم في هذا السؤال رجعوا وتابوا واعتذروا عن خطئهم بقولهم سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا والذين أنكروا معصيتهم ذكروا في ذلك وجهين الأول أنهم إنما قالوا ذلك على وجه الاعتراف بالعجز والتسليم بأنهم لا يعلمون ما سئلوا عنه وذلك لأنهم قالوا إنا لا نعلم إلا ما علمتنا فإذا لم تعلمنا ذلك فكيف نعلمه الثاني أن الملائكة إنما قالوا أَتَجْعَلُ فِيهَا لأن الله تعالى أعلمهم ذلك فكأنهم قالوا إنك أعلمتنا أنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء فقلنا لك أتجعل فيها من يفسد فيها وأما هذه الأسماء فإنك ما أعلمتنا كيفيتها فكيف نعلمها وههنا مسائل
المسألة الأولى احتج أصحابنا بقوله تعالى لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا على أن المعارف مخلوقة لله تعالى وقالت المعتزلة المراد أنه لا علم لنا إلا من جهته إما بالتعليم وإما بنصب الدلالة والجواب أن التعليم عبارة عن تحصيل العلم في الغير كالتسويد فإنه عبارة عن تحصيل السواد في الغير لا يقال التعليم عبارة عن إفادة الأمر الذي يترتب عليه العلم لو حصل الشرط وانتفى المانع ولذلك يقال علمته فما تعلم والأمر الذي يترتب عليه العلم هو وضع الدليل والله تعالى قد فعل ذلك لأنا نقول المؤثر في وجود العلم ليس هو ذات الدليل بل النظر في الدليل وذلك النظر فعل العبد فلم يكن حصول ذلك العلم بتعليم الله تعالى وأنه يناقص قوله لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا
المسألة الثانية احتج أهل الإسلام بهذه الآية على أنه لا سبيل إلى معرفة المغيبات إلا بتعليم الله تعالى وأنه لا يمكن التوصل إليها بعلم النجوم والكهانة والعرافة ونظيره قوله تعالى وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ( الأنعام ٥٩ ) وقوله عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ( الجن ٢٦ ٢٧ ) وللمنجم أن يقول للمعتزلي إذا فسرت التعليم بوضع الدلائل فعندي حركات النجوم دلائل خلقها الله تعالى على أحوال هذا العالم فإذا استدللت بها على هذه كان ذلك أيضاً بتعليم الله تعالى ويمكن أن يقال أيضاً إن الملائكة لما عجزوا عن معرفة الغيب فلأن يعجز عنه أحدنا كان أولى
المسألة الثالثة العليم من صفات المبالغة التامة في العلم والمبالغة التامة لا تتحقق إلا عند الإحاطة بكل المعلومات وما ذاك إلا هو سبحانه وتعالى فلا جرم ليس العليم المطلق إلا هو فلذلك قال إنك أنت العليم الحكيم على سبيل الحصر
المسألة الرابعة الحكيم يستعمل على وجهين أحدهما بمعنى العليم فيكون ذلك من صفات الذات وعلى هذا التفسير نقول إنه تعالى حكيم في الأزل الآخر أنه الذي يكون فاعلاً لما لا عتراض لأحد عليه فيكون ذلك من صفات الفعل فلا نقول إنه حكيم في الأزل والأقرب ههنا أن يكون المراد هو المعنى الثاني وإلا لزم التكرار فكأن الملائكة قالت أنت العالم بكل المعلومات فأمكنك تعليم آدم وأنت الحكيم في هذا الفعل المصيب فيه وعن ابن عباس أن مراد الملائكة من الحكيم أنه هو الذي حكم بجعل آدم خليفة في الأرض
المسألة الخامسة أن الله تعالى لما أمر آدم عليه السلام بأن يخبرهم عن أسماء الأشياء وهو عليه الصلاة والسلام أخبرهم بها فلما أخبرهم بها قال سبحانه وتعالى لهم عند ذلك على سبيل الحصر
المسألة الرابعة الحكيم يستعمل على وجهين أحدهما بمعنى العليم فيكون ذلك من صفات الذات وعلى هذا التفسير نقول إنه تعالى حكيم في الأزل الآخر أنه الذي يكون فاعلاً لما لا عتراض لأحد عليه فيكون ذلك من صفات الفعل فلا نقول إنه حكيم في الأزل والأقرب ههنا أن يكون المراد هو المعنى الثاني وإلا لزم التكرار فكأن الملائكة قالت أنت العالم بكل المعلومات فأمكنك تعليم آدم وأنت الحكيم في هذا الفعل المصيب فيه وعن ابن عباس أن مراد الملائكة من الحكيم أنه هو الذي حكم بجعل آدم خليفة في الأرض
المسألة الخامسة أن الله تعالى لما أمر آدم عليه السلام بأن يخبرهم عن أسماء الأشياء وهو عليه الصلاة والسلام أخبرهم بها فلما أخبرهم بها قال سبحانه وتعالى لهم عند ذلك أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ


الصفحة التالية
Icon