عليه القرآن والشعر أما القرآن فقوله تعالى أَقِمِ الصَّلَواة َ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ( الإسراء ٧٨ ) والصلاة لله لا للدلوك فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يقال صليت للقبلة مع أن الصلاة تكون لله تعالى لا للقبلة وأما الشعر فقول حسان فما كنت أعرف أن الأمر منصرف
عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتكم
وأعرف الناس بالقرآن والسنن
فقوله صلى لقبلتكم نص على المقصود والجواب عن الثاني أن إبليس شكا تكريمه وذلك التكريم لا نسلم أنه حصل بمجرد تلك المسجودية بل لعله حصل بذلك مع أمور أخر فهذا ما في القول الأول أما القول الثاني فهو أن السجدة كانت لآدم عليه السلام تعظيماً له وتحية له كالسلام منهم عليه وقد كانت الأمم السالفة تفعل ذلك كما يحيي المسلمون بعضهم بعضاً بالسلام وقال قتادة في قوله وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا ( يوسف ١٠٠ ) كانت تحية الناس يومئذٍ سجود بعضهم لبعض وعن صهيب أن معاذاً لما قدم من اليمن سجد للنبي ( ﷺ ) فقال يا معاذ ما هذا قال إن اليهود تسجد لعظمائها وعلمائها ورأيت النصارى تسجد لقسسها وبطارقتها قلت ما هذا قالوا تحية الأنبياء فقال عليه السلام كذبوا على أنبيائهم وعن الثوري عن سماك بن هاني قال دخل الجاثليق على علي بن أبي طالب فأراد أن يسجد له فقال له عليّ اسجد لله ولا تسجد لي وقال عليه الصلاة والسلام لو أمرت أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها القول الثالث أن السجود في أصل اللغة هو الانقياد والخضوع قال الشاعر
( ترى الأكم فيها سجداً للحوافر )
أي تلك الجبال الصغار كانت مذللة لحوافر الخيل ومنه قوله تعالى وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ( الرحمن ٦ ) واعلم أن القول الأول ضعيف لأن المقصود من هذه القصة شرح تعظيم آدم عليه السلام وجعله مجرد القبلة لا يفيد تعظيم حاله وأما القول الثالث فضعيف أيضاً لأن السجود لا شك أنه في عرف الشرع عبارة عن وضع الجبهة على الأرض فوجب أن يكون في أصل اللغة كذلك لأن الأصل عدم التغيير فإن قيل السجود عبادة والعبادة لغير الله لا تجوز قلنا لا نسلم أنه عبادة بيانه أن الفعل قد يصير بالمواضعة مفيداً كالقول يبين ذلك أن قيام أحدنا للغير يفيد من الأعظام ما يفيده القول وما ذاك إلا للعبادة وإذا ثبت ذلك لم يمتنع أن يكون في بعض الأوقات سقوط الإنسان على الأرض وإلصاقه الجبين بها مفيداً ضرباً من التعظيم وإن لم يكن ذلك عبادة وإذا كان كذلك لم يمتنع أن يتعبد الله الملائكة بذلك إظهاراً لرفعته وكرامته
المسألة الثالثة اختلفوا في أن إبليس هل كان من الملائكة قال بعض المتكلمين ولا سيما المعتزلة إنه لم يكن منهم وقال كثير من الفقهاء إنه كان منهم واحتج الأولون بوجوه
أحدها أنه كان من الجن فوجب أن لا يكون من الملائكة وإنما قلنا إنه كان من الجن لقوله تعالى في سورة الكهف إلا إبليس كان من الجن الكهف ٥٠ واعلم أن من الناس من ظن أنه لما ثبت أنه كان من


الصفحة التالية
Icon