الجن وجب أن لا يكون من الملائكة لأن الجن جنس مخالف للملك وهذا ضعيف لأن الجن مأخوذ من الاجتنان وهو الستر ولهذا سمي الجنين جنينا لاجتنابه ومنه الجنة لكونها ساترة والجنة لكونها مستترة بالأغصان ومنه الجنون لاستتار العقل فيه ولما ثبت هذا والملائكة مستورون عن العيون وجب إطلاق لفظ الجن عليهم بحسب اللغة فثبت أن هذا القدر لا يفيد المقصود فنقول لما ثبت أن إبليس كان من الجن وجب أن لا يكون من الملائكة لقوله تعالى ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا ومن دونهم بل كانوا يعبدون الجن سبأ ٤١ وهذه الآية صريحة في الفرق بين الجن والملك فإن قيل لا نسلم أنه كان من الجن أما قوله تعالى كان من الجن الكهف ٥٠ فلم يجوز أن يكون المراد كان من الجنة على ما روي عن ابن مسعود أنه قال كان من الجن أي كان خازن الجنة سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون قوله من الجن أي صار من الجن كما أن قوله وكان من الكافرين أي صار من الكافرين سلمنا أن ما ذكرت يدل على أنه من الجن فلم قلت إن كونه من الجن ينافي كونه من الملائكة وما ذكرتم من الآية معارض بآية أخرى وهي قوله تعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا الصافات ١٥٨ وذلك لأن قريشا قالت الملائكة بنات الله فهذه الآية تدل على أن الملك يسمى جنا والجواب لا يجوز أن يكون المراد منه قوله كان من الجن الكهف ٥٠ أنه كان خازن الجنة لأن قوله إلا إبليس كان من الجن يشعر بتعليل تركه للسجود لكونه جنيا ولا يمكن تعليل ترك السجود بكونه خازنا للجنة فيبطل ذلك قوله كان من الجن أي صار من الجن قلنا هذا خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا عند الضرورة وأما قوله تعالى وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا الصافات ١٥٨ قلنا يحتمل أن بعض الكفار أثبت ذلك النسب في الجن كما أثبته في الملائكة وأيضا فقد بينا أن الملك يسمى جنا بحسب أصل اللغة لكن لفظ الجن بحسب العرف اختص بغيرهم كما أن لفظ الدابة وإن كان بحسب اللغة الأصلية يتناول كل ما يدب لكنه بحسب العرف اختص ببعض ما يدب فتحمل هذه الآية على اللغة اصلية والآية التي ذكرناها على العرف الحادث
وثانيها أن ابليس له ذرية والملائكة لا ذرية لهم إنما قلنا أن ابليس له ذرية لقولع تعالى في صفته أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني الكهف ٥٠ وهذا صريح في إثبات الذرية له وإنما قلنا إن الملائكة لا ذريو لهم لأن الذرية إنما تحصل من الذكر والأنثى والملائكة لا أنثى فيهم لقوله تعالى وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم الزخرف ١٩ أنكر على من حكم عليهم بالأنوثة فإذا انتفت الأنوثة انتفى الولد لا محالة فانتفت الذرية
وثالثها أن الملائكة معصومون على ما تقدم بيانه وإبليس لم يكن كذلك فوجب أن لا يكون من الملائكة
ورابعها أن ابليس مخلوق من النار والملائكة ليسوا كذلك إنما قلنا إن ابليس مخلوق من النار لقوله تعالى حكاية عن إبليس خلقتني من نار الأعراف ١٢ وأيضا فلأنه كان من الجن لقوله تعالى كان من الجن الكهف ٥٠ والجن مخلوق من النار لقوله تعالى والجان خلقناه من قبل من نار السموم الحجر ٢٧ وقال خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار الرحمن ١٥ وأما أن الملائكة ليسوا مخلوقين من النار بل من النور فلما روى الزهري عن عروة عن عائشة عن رسول الله ( ﷺ ) أنه قال خلقت


الصفحة التالية
Icon