فبالاجماع وأما ثانيا فلقوله تعالى والسابقون السابقون أولئك المقربون الواقعة ١٠ وأما ثالثا فلقوله عليه السلام ﴿ من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ﴾ فهذا يقتضي أن يكون قد حصل للملائكة من الثواب كل ما حصل للأنبياء مع زيادة الثواب التي استحقوها بأفعالهم التي أتوا بها قبل خلق البشر ولقائل أن يقول فهذا يقتضي أن يكون آدم عليه السلام أفضل من محمد ( ﷺ ) لأنه أول من سن عبادة الله تعالى من البشر وأول من سن دعوة الكفار إلى الله تعالى ولما كان ذلك باطلا بالاجماع بطل ما ذكروه والتحقيق فيه ما قدمناه أن كثرة الثواب تكون بأمر يرجع إلى النية فيجوز أن تكون نية المتأخر أصفى فيستحق من الثواب أكثر ما يستحقه المتقدم
وخامسها أن الملائكة رسل الأنبياء والرسول أفضل من الأمة فالملائكة أفضل من الأنبياء أما أن الملائكة رسل إلى الأنبياء فلقوله تعالى علمه شديد القوى النجم ٥ وقوله نزل به الروح الأمين على قلبك الشعراء ١٩٣ وأما أن الرسول أفضل من الأمة فالبقياس على أن الأنبياء من البشر أفضل من أممهم فكذا ههنا فإن قيل العرف أن السلطان إذا أرسل واحدا إلى جمع عظيم ليكون حاكما فيهم ومتوليا لأمورهم فذلك الرسول يكون أشرف من ذلك الجمع أما إذا أرسل واحدا إلى واحد فقد لا يكون الرسول أشرف من المرسل إليه كما إذا أرسل واحدا من عبيده إلى وزيره في مهم فإنه لا يلزم أن يكون ذلك العبد أشرف من الوزير قلنا لكن جبريل عليه السلام مبعوث إلى كافة الأنبياء والرسل من البشر فلزم على هذا القانون الذي ذكره السائل أن يكون جبريل عليه السلام أفضل منهم
واعلم أن هذه الحجة يمكن تقريرها على وجه آخر وهو أن الملائكة رسل لقوله تعالى جاعل الملائكة رسلا فاطر ١ ثم لا يخلو الحال من أحد أمرين إما أن يكون الملك رسولا إلى ملك آخر أو إلى واحد من الأنبياء الذين هم من البشر وعلى التقدير فالملك رسول وأمته رسل وأما الرسول البشري فهو رسول لكن أمته ليسوا برسل والرسول الذي كل أمته رسل أفضل من الرسول الذي لا يكون كذلك فثبت فضل الملك على البشر من هذه الجهة ولأن إبراهيم عليه السلام كان رسولا إلى لوط عليه السلام فكان أفضل منه وموسى عليه السلام كان رسولا إلى الأنبياء الذين كانوا في عسكره وكان أفضل منهم فكذا ههنا ولقائل أن يقول الملك إذا أرسل رسولا إلى بعض النواحي قد يكون ذلك لأنه جعل ذلك الرسول حاكما عليهم ومتوليا لأمورهم ومتصرفا في أحوالهم وقد لا يكون لأنه يبعثه إليهم ليخبرهم عن بعض الأمور مع أنه لا يجعله حاكما عليهم ومتوليا لأمورهم فالرسول في القسم الأول يجب أن يكون أفضل من المرسل إليه أما في القسم الثاني فظاهر أنه لا يجب أن يكون أفضل من المرسل إليه فالأنبياء المبعوثون إلى أممهم من القسم الأول فلا جرم كانوا أفضل من الأمم فلم قلتم إن بعثة الملائكة إلى الأنبياء من القسم الأول حتى يلزم أن يكونوا أفضل من الأنبياء
وسادسها أن الملائكة أتقى من البشر فوجب أن يكونوا أفضل من البشر أنا أنهم أتقى فلأنهم مبرؤون عن الزلات وعن الميل إليها لأن خوفهم دائم وإشفاقهم دائم لقوله تعالى يخافون ربهم من فوقهم النحل ٥٠ وقوله وهم من خشيته مشفقون الأنبياء ٢٨ والخوف والاشفاق ينافيان العزم على المعصية وأما الأنبياء عليهم السلام فهم مع أنهم أفضل البشر ما خلا منهم عن نوع زلة وقال عليه


الصفحة التالية
Icon