وثامنها قوله تعالى حكاية عن إبليس ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين الأعراف ٢٠ ولو لم يكن متقررا عند آدم وحواء عليهما السلام أن الملك أفضل من البشر لم يقدر إبليس على أن يغريهما بذلك ولا كان آدم وحواء عليهما السلام يغتران بذلك ولقائل أن يقول هذا قول إبليس فلا يكون حجة ولا يقال إن آدم اعتقد صحة ذلك وإلا لما اغتر واعتقاد آدم حجة لأنا نقول لعل آدم عليه السلام أخطأ في ذلك إما لأن الزلة جائزة على الأنبياء أو لأنه ما كان نبيا في ذلك الوقت وأيضا هب أنه حجة لكن آدم عليه السلام لم يكن قبل الزلة نبيا قلم يلزم من فضل الملك عليعه في ذلك الوقت فضل الملك عليه حال ما صار نبيا وأيضا هب أن الآية تدل على أن الملك أفضل من البشر في بعض الأمور المرغوبة فلم قلت إنها تدل على فضل الملك على البشر في باب الثواب وذلك لأنه لا نزاع أن الملك أفضل من البشر في باب القدرة والقوة وفي باب الحسن والجمال وفي باب الصفاء والنقاء عن الكدورات الحاصلة بسبب التركيبات فإن الملائكة خلقوا من الأنوار وآدم مخلوق من التراب فلعل آدم عليه السلام وإن كان أفضل منهم في كثرة الثواب إلا أنه رغب في أن يكون مساويا لهم في تلك الأمور التي عددناها فكان التغرير حاصلا من هذا الوجه وأيضا فقوله إلا أن تكونا ملكين الأعراف ٢٠ يحتمل أن يكون المراد إلا أن تنقلبا ملكين فحينئذ يصح استدلالكم ويحتمل أن يكون المراد أن النهي مختص بالملائكة والخالدين دونكما هذا كما يقال أحدنا لغيره ما نهيت أنت عن كذا إلا أن تكون فلانا ويكون المعنى أن المنهي هو فلان دونك ولم يرد إلا أن ينقلب فيصير فلانا ولما كان غرض إبليس إيقاع الشبهة بهما فمن أوكد الشبهة إيهام أنهما لم ينهيا وإنما المنهي غيرهما وأيضا فهب أن الآية تدل على أن الملك أفضل من آدم فلم قلت أنها تدل على أن الملك أفضل من محمد وذلك لأن المسلمين أجمعوا على أن محمدا أفضل من آدم عليهما السلام ولا يلزم من كون الملك أفضل من المفضول كونه أفضل من الأفضل
وتاسعها قوله تعالى قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك الأنعام ٥٠ ولقائل أن يقول يحتمل أن يكون المراد ولا أقول لكم إني ملك في كثرة العلوم وشدة القدرة والذي يدل على صحبة هذا الاحتمال وجوه الأول وهو أن الكفار طالبوه بالأمور العظيمة نحو صعود السماء ونقل الجبال وإحضار الأموال العظيمة وهذه الأمور لا يمكن تحصيلها إلا بالعلوم الكثيرة والقدرة الشديدة الثاني أن قوله قل لا أقول لكم عندي خزائن الله هذا يدل على اعترافه بأنه غير قادر على كل المقدورات وقوله ولا أعلم بالغيب يدل على اعترافه بأنه غير عالم بكل المعلومات ثم قوله ولا أقول لكم إني ملك معناه والله أعلم وكما لا أدعي القدرة على مل المقدروات والعلم بكل المعلومات فكذلك لا أدعي قدرة مثل قدرة الملك ولا علما مثل علومهم الثالث قوله ولا أقول لكم إني ملك لم يرد به نفي الصورة لأنه لا يفيد الغرض وإنما نفي أن يكون له مثل ما لهم من الصفات وهذا يكفي في صدقه أن لا يكون له مثل ما لهم ولا تكون صفاته مساوية لصفاتهم من كل الوجوه ولا دلالة فيه على وقوع التفاوت في كل الصفات فإن عدم الاستواء في الكل غير وحصول الاختلاف في الكل غير
وعاشرها قوله تعالى ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم يوسف ٣١ فإن قيل لم لا يجوز أن يكون المراد وقوع التشبيه في الصورة والجمال قلنا الأولى أن يكون التشبيه واقعا في السيرة لا في


الصفحة التالية
Icon