الصورة لأنه قال إن هذا إلا ملك كريم فشبهه بالملك الكريم والملك إنما يكون كريما بسيرته المرضية لا بمجرد صورته فثبت أن المراد تشبيه بالملك في نفي دواعي البشر من الشهوة والحرص على طلب المشتهى وإثبات ضد ذلك وهي حالة الملك وهي غض البصر وقمع عن الميل إلى المحرمات فدلت هذه الآية على إجماع العقلاء من الرجال والنساء والمؤمن والكافر على اختصاص الملائكة بدرجة فائقة على درجات البشر ولقائل أن يقول إن قول المرأة فذلكن الذي لمتنني فيه كالصريح في أن مراد النساء بقولهن إن هذا إلا ملك كريم يوسف ٣١ تعظيم حال يوسف في الحسن والجمال لا في السيرة لأن ظهور عذرها في شدة عشقها إنما يحصل بسبب فرط يوسف في الجمال لا بسبب فرط زهده وورعه فإن ذلك لا يناسب شدة عشقها له سلمنا أن المراد تشبيه يوسف عليه السلام بالملك في الإعراض عن المشتهيات فلم يجب أن يكون يوسف عليه السلام أقل ثوابا من الملائكة وذلك أنه لا نزاع في أن عدم التفات البشر إلى المطاعم والمناكح اقل من عدم التفات الملائكة إلى هذه الأشياء لكن لم قلتم إن ذلك يوجب المزيد في الفضل بمعنى كثرة الذنوب فإن تمسكوا بأن كل من كان أقل معصية وجب أن يكون أفضل فقد سبق الكلام عليه
الحجة الحادية عشرة قوله تعالى وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا الإسراء ٧٠ ومخلوقات الله تعالى إما المكلفون أو من عداهم ولا شك أن المكلفين أفضل من غيرهم أما المكلفون فهم أربعة أنواع الملائكة والإنس والجن والشياطين ولا شك أن الإنس أفضل من الجن والشياطين فلو كان أفضل من الملك أيضا لزم حينئذ أن يكون البشر أفضل من كل المخلوقات وحينئذ لا يبقى لقوله تعالى وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا الإسراء ٧٠ فائدة بل كان ينبغي أن يقال وفضلناهم على جميع من خلقنا تفضيلا ولما لم يقل ذلك علمنا أن الملك أفضل من البشر ولقائل أن يقول حاصل هذا الكلام تمسك بدليل الخطاب لأن التصريح بأنه أفضل من كثير من المخلوقات لا يدل على أنه ليس أفضل من الباقي إلا بواسطة دليل الخطاب وأيضا فهب أن جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم ولكن لا يلزم من كون أحد المجموعين أفضل من المجموع الثاني أن يكون كل واحد من أفراد المجموع الأول أفضل من المجموع الثاني فإنا إذا قدرنا عشرة من العبيد كل واحد منهم يساوي مائة دينار وعشرة أخرى حصل فيهم عبد يساوي مائتي دينار والتسعة الباقية يساوي كل واحد منهم دينارا فالمجموع الأول أفضل من المجموع الثاني إلا أنه حصل في المجموع الثاني واحد هو أفضل من كل واحد من آحاد المجموع الأول فكذا ههنا وأيضا فقوله وفضلناهم الإسراء ٧٠ يجوز أن يكون المراد وفضلناهم في الكرامة التي ذكرناها في أول الآية وهي قوله ولقد كرمنا بني آدم الإسراء ٧٠ ويكون المراد من الكرامة حسن الصورة ومزيد الذكاء والقدرة على الأعمال العجيبة والمبالغة في النظافة والطهارة وإذا كان كذلك فنحن نسلن أن الملك أزيد من البشر في هذه الأمور ولكن لم قلتم إن الملك أكثر ثوابا من البشر وأيضا فقوله خلق السموات بغير عمد ترونها لقمان ١٠ لا يقتضي أن يكون هناك عمد غير مرئي وكذلك قوله تعالى ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به المؤمنون ١١٧ يقتضي أن يكون هناك إله آخر له برهان فكذلك ههنا
الحجة الثانية عشرة الأنبياء عليهم السلام ما استغفروا لأحد إلا بدأوا بالاستغفار لأنفسهم ثم بعد ذلك


الصفحة التالية
Icon