النازلة على محمد ( ﷺ ) على سبيل التفصيل غير واجب على العامة وأما قوله وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ فالمراد به ما أنزل على الأنبياء الذين كانوا قبل محمد والإيمان به واجب على الجملة لأن الله تعالى ما تعبدنا الآن به حتى يلزمنا معرفته على التفصيل بل إن عرفنا شيئاً من تفاصيله فهناك يجب علينا الإيمان بتلك التفاصيل وأما قوله وَبِالأْخِرَة ِ هُمْ يُوقِنُونَ ففيه مسائل
المسألة الأولى الآخرة صفة الدار الآخرة وسميت بذلك لأنها متأخرة عن الدنيا وقيل للدنيا دنيا لأنها أدنى من الآخرة
المسألة الثانية اليقين هو العلم بالشيء بعد أن كان صاحبه شاكاً فيه فلذلك لا يقول القائل تيقنت وجود نفسي وتيقنت أن السماء فرقي لما أن العلم به غير مستدرك ويقال ذلك في العلم الحادث بالأمور سواء كان ذلك العلم ضرورياً أو استدلالياً فيقول القائل تيقنت ما أردته بهذا الكلام وإن كان قد علم مراده بالاضطرار ويقول تيقنت أن الإله واحد وإن كان قد علمه بالاكتساب ولذلك لا يوصف الله تعالى بأنه يتيقن الأشياء
المسألة الثالثة أن الله تعالى مدحهم على كونهم متيقنين بالآخرة ومعلوم أنه لا يمدح المرء بأن يتيقن وجود الآخرة فقط بل لا يستحق المدح إلا إذا تيقن وجود الآخرة مع ما فيها من الحساب والسؤال وإدخال المؤمنين الجنة والكافرين النار روى عنه عليه السلام أنه قال ( يا عجبا كل العجب من الشاك في الله وهو يرى خلقه وعجباً ممن يعرف النشأة الأولى ثم ينكر النشأة الآخرة وعجباً ممن ينكر البعث والنشور وهو في كل يوم وليلة يموت ويحيا يعني النوم واليقظة وعجباً ممن يؤمن بالجنة وما فيها من النعيم ثم يسعى لدار الغرور وعجباً من المتكبر الفخور وهو يعلم أن أوله نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة )
أُوْلَائِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
اعلم أن في الآية مسائل
المسألة الأولى في كيفية تعلق هذه الآية بما قبلها وجوه ثلاثة أحدها أن ينوي الابتداء بِالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ( البقرة ٣ ) وذلك لأنه لما قيل هُدًى لّلْمُتَّقِينَ ( البقرة ٢ ) فخص المتقين بأن الكتاب هدى لهم كان لسائل أن يسأل فيقول ما السبب في اختصاص المتقين بذلك فوقع قوله الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ إلى قوله وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ جواباً عن هذا السؤال كأنه قيل الذي يكون مشتغلاً بالإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والفوز بالفلاح والنجاة لا بدّ وأن يكون على هدى من ربه وثانيها أن لا ينوي الابتداء به بل يجعله تابعاً لّلْمُتَّقِينَ ثم يقع الابتداء من قوله أُوْلَائِكَ عَلَى هُدًى مّن رَّبّهِمْ كأنه قيل أي سبب في أن صار الموصوفون بهذه الصفات مختصين بالهدى فأجيب بأن أولئك الموصفين غير مستبعد أن يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلاً وبالفلاح آجلاً وثالثها أن يجعل الموصول الأول صفة الْمُتَّقِينَ ويرفع الثاني على الابتداء و أُوْلَائِكَ خبره ويكون المراد جعل اختصاصهم بالفلاح والهدى تعريضاً بأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا


الصفحة التالية
Icon