بنبوة رسول الله ( ﷺ ) وهم ظانون أنهم على الهدى وطامعون أنهم ينالون الفلاح عند الله تعالى
المسألة الثانية معنى الاستعلاء في قوله عَلَى هُدًى بيان لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه حيث شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه ونظيره ( فلان على الحق أو على الباطل ) وقد صرحوا به في قولهم ( جعل الغواية مركباً وامتطى الجهل ) وتحقيق القول في كونهم على الهدى تمسكهم بموجب الدليل لأن الواجب على المتمسك بالدليل أن يدوم على ذلك ويحرسه عن المطاعن والشبه فكأنه تعالى ومدحهم بالإيمان بما أنزل عليه أولاً مدحهم بالإقامة على ذلك والمواظبة على حراسته عن الشبه ثانياً وذلك واجب على المكلف لأنه إذا كان متشدداً في الدين خائفاً وجلا فلا بدّ من أن يحاسب نفسه في علمه وعمله ويتأمل حاله فيهما فإذا حرس نفسه عن الإخلال كان ممدوحاً بأنه على هدى وبصيرة وإنما نكر هُدًى ليفيد ضرباً مبهماً لا يبلغ كنهه ولا يقدر قدره كما يقال لو أبصرت فلاناً لأبصرت رجلاً قال عون بن عبد الله الهدى من الله كثير ولا يبصره إلا بصير ولا يعمل به إلا يسير ألا ترى أن نجوم السماء يبصرها البصراء ولا يهتدى بها إلا العلماء
المسألة الثالثة في تكرير أُوْلَائِكَ تنبيه على أنهم كما ثبت لهم الاختصاص بالهدى ثبت لهم الاختصاص بالفلاح أيضاً فقد تميزوا عن غيرهم بهذين الاختصاصين فإن قيل فلم جاء مع العاطف وما الفرق بينه وبين قوله أُوْلَئِكَ كَالانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ( الأعراف ١٧٩ ) قلنا قد اختلف الخبران هنا فلذلك دخل العاطف بخلاف الخبرين ثمت فإنهمامتفقان لأن التسجيل عليهم بالغفلة وتشبيههم بالبهائم شيء واحد وكانت الجملة الثانية مقررة لما في الأولى فهي من العطف بمعزل
المسألة الرابعة هُمْ فصل وله فائدتان إحداهما الدلالة على أن الوارد بعده خبر لا صفة وثانيتهما حصر الخبر في المبتدأ فإنك لو قلت الإنسان ضاحك فهذا لا يفيد أن الضاحكية لا تحصل إلا في الإنسان أما لو قلت الإنسان هو الضاحك فهذا يفيد أن الضاحكية لا تحصل إلا في الإنسان
المسألة الخامسة معنى التعريف في الْمُفْلِحُونَ الدلالة على أن المتقين هم الناس الذين بلغك أنهم يفلحون في الآخرة كما إذا بلغك أن إنساناً قد تاب من أهل بلدك فاستخبرت من هو فقيل زيد التائب أي هو الذي أخبرت بتوبته أو على أنهم الذين إن حصلت صفة المفلحون فهم هم كما تقول لصاحبك هل عرفت الأسد وما جبل عليه من فرط الإقدام إن زيداً هو هو
المسألة السادسة المفلح الظافر بالمطلوب كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه والمفلح بالجيم مثله والتركيب دال على معنى الشق والفتح ولهذا سمي الزراع فلاحاً ومشقوق الشفة السفلى أفلح وفي المثل ( الحديد بالحديد يفلح ) وتحقيقه أن الله تعالى لما وصفهم بالقيام بما يلزمهم علماً وعملاً بين نتيجة ذلك وهو الظفر بالمطلوب الذي هو النعيم الدائم من غير شوب على وجه الإجلال والإعظام لأن ذلك هو الثواب المطلوب للعبادات
المسألة السابعة هذه الآيات يتمسك الوعيدية بها من وجه والمرجئة من وجه آخر أما الوعيدية فمن وجهين الأول أن قوله وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يقتضي الحصر فوجب فيمن أخل بالصلاة والزكاة أن لا


الصفحة التالية
Icon