ورود أمر الأعمى بنقط المصاحف والمزمن بالطيران في الهواء وأن يقال لمن قيد يداه ورجلاه وألقي من شاهق جبل لم لا تطير إلى فوق ولما لم يجز شيء من ذلك في العقول علمنا أنه لا يجوز الأمر بالمحال فثبت أن العلم بالعدم لا يمنع من الوجود وثامنها لو جاز ورود الأمر بذلك لجاز بعثة الأنبياء إلى الجمادات وإنزال الكتب عليها وإنزال الملائكة لتبليغ التكاليف إليها حالاً بعد حال ومعلوم أن ذلك سخرية وتلاعب بالدين وتاسعها أن العلم بوجود الشيء لو اقتضى وجوبه لأغنى العلم عن القدرة والإرادة فوجب أن لا يكون الله تعالى قادراً مريداً مختاراً وذلك قول الفلاسفة القائلين بالموجب وعاشرها الآيات الدالة على أن تكليف ما لا يطاق لم يوجد قال الله تعالى لاَ يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ( البقرة ٢٨٦ ) وقال وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدّينِ مِنْ حَرَجٍ ( الحج ٧٨ ) وقال وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاْغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ ( الأعراف ١٥٧ ) وأي حرج ومشقة فوق التكليف بالمحال المقام الثالث الجواب على سبيل التفصيل للمعتزلة فيه طريقان الأول طريقة أبي علي وأبي هاشم والقاضي عبد الجبار فإنا لما قلنا لو وقع خلاف معلوم الله تعالى لانقلب علمه جهلاً قالوا خطأ قول من يقول إنه ينقلب علمه جهلاً وخطأ أيضاً قول من يقول إنه لا ينقلب ولكن يجب الإمساك عن القولين والثاني طريقة الكعبي واختيار أبي الحسين البصري أن العلم تبع المعلوم فإذا فرضت الواقع من العبد من الإيمان عرفت أن الحاصل في الأزل لله تعالى هو العلم بالإيمان ومتى فرضت الواقع منه هو الكفر بدلاً عن الإيمان عرفت أن الحاصل في الأزل هو العلم بالكفر بدلاً عن الإيمان فهذا فرض علم بدلاً عن علم أخر لا أنه تغير العلم فهذان الجوابان هما اللذان عليهما اعتماد جمهور المعتزلة واعلم أن هذا المبحث صار منشأ لضلالات عظيمة فمنها أن منكري التكاليف والنبوات قالوا قد سمعنا كلام أهل الجبر فوجدناه قوياً قاطعاً وهذان الجوابان اللذان ذكرهما المعتزلة يجريان مجرى الخرافة ولا يلتفت العاقل إليهما وسمعنا كلام المعتزلة في أن مع القول بالجبر لا يجوز التكليف ويقبح والجواب الذي ذكره أهل الجبر ضعيف جداً فصار مجموع الكلامين كلاماً قوياً في نفي التكاليف ومتى بطل ذلك بطل القول بالنبوات ومنها أن الطاعنين في القرآن قالوا الذي قاله المعتزلة من الآيات الكثيرة الدالة على أنه لا منع من الإيمان ومن الطاعة فقد صدقوا فيه والذي قاله الجبرية من أن العلم بعدم الإيمان مانع منه فقد صدقوا فيه فدل على أن القرآن ورد على ضد العقل وعلى خلافه وذلك من أعظم المطاعن وأقوى القوادح فيه ثم من سلم من هؤلاء أن هذا القرآن هو القرآن الذي جاء به محمد ( ﷺ ) توسل به إلى الطعن فيه وقال قوم من الرافضة إن هذا الذي عندنا ليس هو القرآن الذي جاء به محمد بل غير وبدل والدليل عليه اشتماله على هذه المناقضات التي ظهرت بسبب هذه المناظرة الدائرة بين أهل الجبر وأهل القدر ومنها أن المقلدة الطاعنين في النظر والاستدلال احتجوا بهذه المناظرة وقالوا لو جوزنا التمسك بالدلائل العقلية لزم القدح في التكليف والنبوة بسبب هذه المناظرة فإن كلام أهل الجبر في نهاية القوة في إثبات الجبر وكلام أهل القدر في بيان أنه متى ثبت الجبر بطل التكليف بالكلية في نهاية القوة فيتولد من مجموع الكلامين أعظم شبهة في القدح والتكليف والنبوة فثبت أن الرجوع إلى العقليات يورث الكفر والضلال وعند هذا قيل من تعمق في الكلام تزندق ومنها أن هشام بن الحكم زعم أنه سبحانه لا يعلم الأشياء قبل


الصفحة التالية
Icon