انضمام قرينة إليه أو لا يتوقف فإن توقف كان المؤثر هو ذلك المجموع مع هذه القرينة الزائدة لا ذلك المجموع وكنا قد فرضنا أن ذلك المجموع هو المستقل خلف هذا وأيضاً فيعود التقسيم في هذا المجموع الثاني فإن توقف على قيد آخر لزم التسلسل وهو محال وإن لم يتوقف فحينئذٍ حصل ذلك المجموع تارة بحيث يكون مصدراً للأثر وأخرى بحيث لا يكون مصدراً له مع أنه لم يتميز أحد الوقتين عن الآخر بأمر ما البتة فيكون هذا قولاً بترجح الممكن لا عن مرجح وهو محال فثبت أن عند حصول ذلك المرجح يستحيل أن يكون صدور ذلك الأثر جائزاً وأما أنه لا يكون ممتنعاً فظاهر وإلا لكان مرجح الوجود مرجحاً للعدم وهو محال وإذا بطل القسمان ثبت أن عند حصول مرجح الوجود يكون الأثر واجب الوجود عن المجموع الحاصل من القدرة ومن ذلك المرجح وإذا ثبت هذا كان القول بالجبر لازماً لأن قبل حصول ذلك المرجح كان صدور الفعل ممتنعاً وبعد حصوله يكون واجباً وإذ عرفت هذا كان خلق الداعية الموجبة للكفر في القلب ختماً على القلب ومنعاً له عن قبول الإيمان فإنه سبحانه لما حكم عليهم بأنهم لا يؤمنون ذكر عقيبة ما يجري مجرى السبب الموجب له لأن العلم بالعلة يفيد العلم بالمعلول والعلم بالمعلول لا يكمل إلا إذا استفيد من العلم بالعلة فهذا قول من أضاف جميع المحدثات إلى الله تعالى وأما المعتزلة فقد قالوا إنه لا يجوز أجراء هذه الآية على المنع من الإيمان واحتجوا فيه بالوجوه التي حكيناها عنهم في الآية الأولى وزادوا ههنا بأن الله تعالى قد كذب الكفار الذين قالوا إن على قلوبهم كنان وغطاء يمنعهم عن الإيمان وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ( النساء ١٥٥ ) وقال فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّة ٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ( فصلت ٤ ٥ ) وهذا كله عيب وذم من الله تعالى فيما ادعوا أنهم ممنوعون عن الإيمان ثم قالوا بل لا بدّ من حمل الختم والغشاوة على أمور أخر ثم ذكروا فيه وجوهاً أحدها أن القوم لما أعرضوا وتركوا الاهتداء بدلائل الله تعالى حتى صار ذلك كالألف والطبيعة لهم أشبه حالهم حال من منع عن الشيء وصد عنه وكذلك هذا في عيونهم حتى كأنها مسدودة لا تبصر شيئاً وكأن بآذانهم وقرأ حتى لا يخلص إليها الذكر وإنما أضيف ذلك إلى الله تعالى لأن هذه الصفة في تمكنها وقوة ثباتها كالشيء الخلقي ولهذا قال تعالى بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ ( النساء ١٥٥ ) كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ( المطففين ١٤ ) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ( لتوبة ٧٧ ) وثانيها أنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب فالشيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر إلا أن الله تعالى لما كان هو الذي أقدره أسند إليه الختم كما يسند الفعل إلى السبب وثالثها أنهم لما أعرضوا عن التدبر ولم يصغوا إلى الذكر وكان ذلك عند إيراد الله تعالى عليهم الدلائل أضيف ما فعلوا إلى الله تعالى لأن حدوثه إنما اتفق عند إيراده تعالى دلائله عليهم كقوله تعالى في سورة براءة زَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ( التوبة ١٢٥ ) أي ازدادوا بها كفراً إلى كفرهم ورابعها أنهم بلغوا في الكفر إلى حيث لم يبق طريق إلى تحصيل الإيمان لهم إلا بالقسر والإلجاء إلا أن الله تعالى ما أقرهم عليه لئلا يبطل التكليف فعبر عن ترك القسر والإلجاء بالختم إشعاراً بأنهم الذين انتهوا في الكفر إلى حيث لا يتناهون عنه إلا بالقسر وهي الغاية القصوى في وصف لجاجهم في الغي وخامسها أن يكون ذلك حكاية لما كان الكفرة يقولونه تهكماً به من قولهم قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّة ٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءاذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ( فصلت ٥ ) ونظيره في الحكاية والتهكم قوله لَمْ يَكُنِ الَّذِين


الصفحة التالية
Icon