َ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيّنَة ُ ( البينة ١ ) وسادسها الختم على قلوب الكفار من الله تعالى هو الشهادة منه عليهم بأنهم لا يؤمنون وعلى قلوبهم بأنها لا تعي الذكر ولا تقبل الحق وعلى أسماعهم بأنها لا تصغي إلى الحق كما يقول الرجل لصاحبه أريد أن تختم على ما يقوله فلان أي تصدقه وتشهد بأنه حق فأخبر الله تعالى في الآية الأولى بأنهم لا يؤمنون وأخبر في هذه الآية بأنه قد شهد بذلك وحفظه عليهم وسابعها قال بعضهم هذه الآية إنما جاءت في قوم مخصوصين من الكفار فعل الله تعالى بهم هذا الختم والطبع في الدنيا عقاباً لهم في العاجل كما عجل لكثير من الكفار عقوبات في الدنيا فقال وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِى السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَة ً خَاسِئِينَ ( البقرة ٦٥ ) وقال فَإِنَّهَا مُحَرَّمَة ٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة ً يَتِيهُونَ فِى الاْرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ( المائدة ٢٦ ) ونحو هذا من العقوبات المعجلة لما علم الله تعالى فيها من العبرة لعبادة والصلاح لهم فيكون هذا مثل ما فعل بهؤلاء من الختم والطبع إلا أنهم إذا صاروا بذلك إلى أن لا يفهموا سقط عنهم التكليف كسقوطه عمن مسخ وقد أسقط الله التكليف عمن يعقل بعض العقل كمن قارب البلوغ ولسنا ننكر أن يخلق الله في قلوب الكافرين مانعاً يمنعهم عن الفهم والاعتبار إذا علم أن ذلك أصلح لهم كما قد يذهب بعقولهم ويعمي أبصارهم ولكن لا يكونون في هذا الحال مكلفين وثامنها يجوز أن يجعل الله على قلوبهم الختم وعلى أبصارهم الغشاوة من غير أن يكون ذلك حائلاً بينهم وبين الإيمان بل يكون ذلك كالبلادة التي يجدها الإنسان في قلبه والقذي في عينيه والطنين في أذنه فيفعل الله كل ذلك بهم ليضيق صدورهم ويورثهم الكرب والغم فيكون ذلك عقوبة مانعة من الإيمان كما قد فعل ببني إسرائيل فتاهوا ثم يكون هذا الفعل في بعض الكفار ويكون ذلك آية للنبي ( ﷺ ) ودلالة له كالرجز الذي أنزل على قوم فرعون حتى استغاثوا منه وهذا كله مقيد بما يعلم الله تعالى أنه أصلح للعباد وتاسعها يجوز أن يفعل هذا الختم بهم في الآخرة كما قد أخبر أنه يعميهم قال وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا ( الإسراء ٩٧ ) وقال وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً ( طه ١٠٢ ) وقال الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ ( ي س ٦٥ ) وقال لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ ( االأنبياء ١٠٠ ) وعاشرها ما حكوه عن الحسن البصري وهو اختيار أبي على الجبائي والقاضي أن المراد بذلك علامة وسمة يجعلها في قلب الكفار وسمعهم فتستدل الملائكة بذلك على أنهم كفار وعلى أنهم لا يؤمنون أبداً فلا يبعد أن يكون في قلوب المؤمنين علامة تعرف الملائكة بها كونهم مؤمنين عند الله كما قال أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وحينئذٍ الملائكة يحبونه ويستغفرون له ويكون لقلوب الكفار علامة تعرف الملائكة بها كونهم ملعونين عند الله فيبغضونه ويلعنونه والفائدة في تلك العلامة إما مصلحة عائدة إلى الملائكة لأنهم متى علموا بتلك العلامة كونه كافراً ملعوناً عند الله تعالى صار ذلك منفراً لهم عن الكفر أو إلى المكلف فإنه إذا علم أنه متى آمن فقد أحبه أهل السموات صار ذلك مرغباً له في الإيمان وإذا علم أنه متى أقدم على الكفر عرف الملائكة منه ذلك فيبغضونه ويلعنونه صار ذلك زاجراً له عن الكفر قالوا والختم بهذا المعنى لا يمنع لأنا نتمكن بعد ختم الكتاب أن نفكه ونقرأه ولأن الختم هو بمنزلة أن يكتب على جبين الكافر أنه كافر فإذا لم يمنع ذلك من الإيمان فكذا هذا الكافر يمكنه أن يزيل تلك السمة عن قلبه بأن يأتي بالإيمان ويترك الكفر قالوا وإنما خص القلب والسمع بذلك لأن الأدلة السمعية لا تستفاد إلا من جهة السمع والأدلة العقلية لا تستفاد إلا من جان ببالقلب ولهذا خصهما بالذكر


الصفحة التالية
Icon