ولا للإضرار لأن الترك على العدم يكفي في ذلك ولأنه على هذا التقدير يكون عبثاً ولا جائز أن يقال خلقهم للإضرار لأن مثل هذا لا يكون رحيماً كريماً وقد تطابقت العقول والشرائع على كونه رحيماً كريماً وعلى أنه نعم المولى ونعم النصير وكل ذلك يدل على عدم العقاب ورابعها أنه سبحانه هو الخالق للدواعي التي توجب المعاصي فيكون هو الملجىء إليها فيقبح منه أن يعاقب عليها إنما قلنا إنه هو الخالق لتلك الدواعي لما بينا أن صدور الفعل عن مقدرة يتوقف على انضمام الداعية التي يخلقها الله تعالى إليها وبينا أن ذلك يوجب الجبر وتعذيب المجبور قبيح في العقول وربما قرروا هذا من وجه آخر فقالوا إذا كانت الأوامر والنواهي الشرعية قد جاءت إلى شخصين من الناس فقبلها أحدهما وخالفها الآخر فأثيب أحدهما وعوقب الآخر فإذا قيل لم قيل هذا وخالف الآخر فيقال لأن القابل أحب الثواب وحذر العقاب فأطاع والآخر لم يحب ولم يحذر فعصى أو أن هذا أصغى إليّ من وعظه وفهم عنه مقالته فأطاع وهذا لم يصغ ولم يفهم فعصي فيقال ولم أصغي هذا وفهم ولم يصغ ذلك ولم يفهم فنقول لأن هذا لبيب حازم فطن وذلك أخرق جاهل غبي فيقال ولم اختص هذا بالحزم والفطنة دون ذاك ولا شك أن الفطنة والبلادة من الأحوال الغريزية فإن الإنسان لا يختار الغباوة والخرق ولا يفعلهما في نفسه بنفسه فإذا تناهت التعليلات إلى أمور خلقها الله تعالى اضطراراً علمنا أن كل هذه الأمور بقضاء الله تعالى وليس يمكنك أن تسوي بين الشخصين اللذين أطاع أحدهما وعصى الآخر في كل حال أعني في العقل والجهل والفطانة والغباوة والحزم والخرق والمعلمين والباعثين والزاجرين ولا يمكنك أن تقول إنهما لو استويا في ذلك كله لما استويا في الطاعة والمعصية فإذن سبب الطاعة والمعصية من الأشخاص أمور وقعت بتخليق الله تعالى وقضائه وعند هذا يقال أين من العدل والرحمة والكرم أن يخلق العاصي على ما خلقه الله عليه من الفظاظة والجسارة والغباوة والقساوة والطيش والخرق ثم يعاقبه عليه وهلا خلقه مثل ما خلق الطائع لبيباً حازماً عارفاً عالماً وأين من العدل أن يسخن قلبه ويقوي غضبه ويلهب دماغه ويكثر طيشه ولا يرزقه ما رزق غيره من مؤدب أديب ومعلم عالم وواعظ مبلغ بل يقيض له أضداد هؤلاء في أفعالهم وأخلاقهم فيتعلم منهم ثم يؤاخذه بما يؤاخذ به اللبيب الحازم والعاقل العالم البارد الرأس المعتدل مزاج القلب اللطيف الروح الذي رزقه مربياً شفيقاً ومعلماً كاملاً ما هذا من العدل والرحمة والكرم والرأفة في شيءا فثبت بهذه الوجوه أن القول بالعقاب على خلاف قضايا العقول وخامسها أنه تعالى إنما كلفنا النفع لعوده إلينا لأنه قال إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لاِنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ( الإسراء ٧ ) فإذا عصينا فقد فوتنا على أنفسنا تلك المنافع فهل يحسن في العقول أن يأخذ الحكيم إنساناً ويقول له إني أعذبك العذاب الشديد لأنك فوت على نفسك بعض المنافع فإنه يقال له إن تحصيل النفع مرجوح بالنسبة إلى دفع الضرر فهب أني فوت على نفسي أدون المطلوبين أفتفوت عليّ لأجل ذلك أعظمها وهل يحسن من السيد أن يأخذ عبده ويقول إنك قدرت على أن تكتسب ديناراً لنفسك ولتنتفع به خاصة من غير أن يكون لي فيه غرض البتة فلما لم تكتسب ذلك الدينار ولم تنتفع به آخذك وأقطع أعضاءك إرباً إرباً لا شك أن هذا نهاية السفاهة فكيف يليق بأحكم الحاكمينا ثم قالوا هب أن سلمنا هذا العقاب فمن أين القول بالدوام وذلك لأن أقسى الناس قلباً وأشدهم غلظة وفظاظة وبعداً عن الخير إذا أخذ من بالغ في الإساءة إليه وعذبه يوماً أو شهراً أو سنة فإنه يشبع منه ويمل فلو بقي مواظباً عليه لامه كل أحد ويقال


الصفحة التالية
Icon