هب أنه بالغ هذا في أضرارك ولكن إلى متى هذا التعذيب فإما أن تقتله وتريحه وإما أن تخلصه فإذا قبح هذا من الإنسان الذي يلتذ بالانتقام فالغني عن الكل كيف يليق به هذا الدوام الذي يقالا وسادسها أنه سبحانه نهى عباده عن استيفاء الزيادة فقال فَلاَ يُسْرِف فّى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ( الإسرءا ٣٣ ) وقال وَجَزَاء سَيّئَة ٍ سَيّئَة ٌ مّثْلُهَا ( الشورى ٤٠ ) ثم إن العبد هب أنه عصى الله تعالى طول عمره فأين عمره من الأبد فيكون العقاب المؤبد ظلماً وسابعها أن العبد لو واظب على الكفر طول عمره فإذا تاب ثم مات عفا الله عنه وأجاب دعاءه وقبل توبته ألا ترى أن هذا الكريم العظيم ما بقي في الآخرة أو عقول أولئك المعذبين ما بقيت فلم لا يتوبون عن معاصيهم وإذا تابوا فلم لا يقبل الله تعالى منهم توبتهم ولم لا يسمع نداءهم ولم يخيب رجاءهم ولم كان في الدنيا في الرحمة والكرم إلى حيث قال ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ( غافر ٦٠ ) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ( النحل ٦٢ ) وفي الآخرة صار بحيث كلما كان تضرعهم إليه أشد فإنه لا يخاطبهم إلا بقوله اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ ( المؤمنون ١٠ ) قالوا فهذه الوجوه مما توجب القطع بعدم العقاب ثم قال من آمن من هؤلاء بالقرآن العذر عما ورد في القرآن من أنواع العذاب من وجوه أحدها أن التمسك بالدلائل اللفظية لا يفيد اليقين والدلائل العقلية تفيد اليقين والمظنون لا يعارض المقطوع وإنما قلنا إن الدلائل اللفظية لا تفيد اليقين لأن الدلائل اللفظية مبنية على أصول كلها ظنية والمبني على الظني ظني وإنما قلنا إنها مبنية على أصول ظنية لأنها مبنية على نقل اللغات ونقل النحو والتصريف ورواة هذه الأشياء لا يعلم بلوغهم إلى حد التواتر فكانت روايتهم مظنونة وأيضاً فهي مبنية على عدم الاشتراك وعدم المجاز وعدم التخصيص وعدم الإضمار بالزيادة والنقصان وعدم التقديم والتأخير وكل ذلك أمور ظنية وأيضاً فهي مبنية على عدم المعارض العقلي فإنه بتقدير وجوده لا يمكن القول بصدقهما ولا بكذبهما معاً ولا يمكن ترجيح النقل على العقل لأن العقل أصل النقل والطعن في العقل يوجب الطعن في العقل والنقل معاً لكن عدم المعارض العقلي مظنون هذا إذا لم يوجد فكيف وقد وجدنا ههنا دلائل عقلية على خلاف هذه الظواهر فثبت أن دلالة هذه الدلائل النقلية ظنية وأما أن الظني لا يعارض اليقيني فلا شك فيه وثانيها وهو أن التجاوز عن الوعيد مستحسن فيما بين الناس قال الشاعر فوإني إذا أوعدته أو وعدته
لمخلف إيعاد ومنجز موعدي
بل الإصرار على تحقيق الوعيد كأنه بعد لؤما وإذا كان كذلك وجب أن لا يصلح من الله تعالى وهذا بناءً على حرف وهو أهل السنّة جوزوا نسخ الفعل قبل مدة الامتثال وحاصل حروفهم فيه أن الأمر يسن تارة لحكمة تنشأ من نفس المأمور به وتارة لحكمة تنشأ من نفس الأمر فإن السيد قد يقول لعبده إفعل الفعل الفلاني غداً وإن كان يعلم في الحال أنه سينهاه عنه غداً ويكون مقصوده من ذلك الأمر أن يظهر العبد الانقياد لسيده في ذلك ويوطن نفسه على طاعته فكذلك إذا علم الله من العبد أنه سيموت غداً فإنه يحسن عند أهل السنّة أن يقول صلِ غداً إن عشت ولا يكون المقصود من هذا الأمر تحصيل المأمور به لأنه ههنا محال بل المقصود حكمة تنشأ من نفس الأمر فقط وهو حصول الانقياد والطاعة وترك التمرد إذا ثبت هذا


الصفحة التالية
Icon