والضلالة الجور والخروج عن القصد وفقد الاهتداء فاستعير للذهاب عن الصواب في الدين أما قوله فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ فالمعنى أنهم ما ربحوا في تجارتهم وفيه سؤالان السؤال الأول كيف أسند الخسران إلى التجارة وهو لأصحابها الجواب هو من الإسناد المجازي وهو أن يسند الفعل إلى شيء يتلبس بالذي هو في الحقيقة له كما تلبست التجارة بالمشتري السؤال الثاني هب أن شراء الضلالة بالهدى وقع مجازاً في معنى الاستبدال فما معنى ذكر الربح والتجارة وما كان ثم مبايعة على الحقيقة والجواب هذا مما يقوي أمر المجاز ويحسنه كما قال الشاعر فولما رأيت النسر عز ابن دأية
وعشش في وكريه جاش له صدري
لما شبه الشيب بالنسر والشعر الفاحم بالغراب أتبعه بذكر التعشيش والوكر فكذا ههنا لما ذكر سبحانه الشراء أتبعه ما يشاكله ويواخيه تمثيلاً لخسارتهم وتصويراً لحقيقته أما قوله وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ فالمعنى أن الذي تطلبه التجار في متصرفاتهم أمران سلامة رأس المال والربح وهؤلاء قد أضاعوا الأمرين لأن رأس مالهم هو العقل الخالي عن المانع فلما اعتقدوا هذه الضلالات صارت تلك العقائد الفاسدة الكسيبة مانعة من الاشتغال بطلب العقائد الحقة وقال قتادة انتقلوا من الهدى إلى الضلالة ومن الطاعة إلى المعصية ومن الجماعة إلى التفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة والله أعلم
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ
اعلم أنا قبل الخوض في تفسير ألفاظ هذه الآية نتكلم في شيئين أحدها أن المقصود من ضرب الأمثال أنها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه وذلك لأن الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد فيتأكد الوقوف على ماهيته ويصير الحس مطابقاً للعقل وذلك في نهاية الإيضاح ألا ترى أن الترغيب إذا وقع في الإيمان مجرداً عن ضرب مثل له لم يتأكد وقوعه في القلب كما يتأكد وقوعه إذا مثل بالنور وإذا زهد في الكفر بمجرد الذكر لم يتأكد قبحه في العقول كما يتأكد إذا مثل بالظلمة وإذا أخبر بضعف أمر من الأمور وضرب مثله بنسج العنكبوت كان ذلك أبلغ في تقرير صورته من الأخبار بضعفه مجرداً ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه المبين وفي سائر كتبه أمثاله قال تعالى وَتِلْكَ الاْمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ( العنكبوت ٤٣ الحشر ٢١ ) ومن سور الإنجيل سورة الأمثال وفي الآية مسائل
المسألة الأولى المثل في أصل كلامهم بمعنى المثل وهو النظير ويقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه ثم قيل للقول الثائر الممثل مضر به بمورده مثل وشرطه أن يكون قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه


الصفحة التالية
Icon