ثم إنه سبحانه وتعالى جعل الأرض ساترة لقبائحك بعد مماتك فقال أَلَمْ نَجْعَلِ الاْرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاء وَأَمْواتاً مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ( المرسلات ٢٥ ) ثم إنه سبحانه وتعالى جمع هذه المنافع العظيمة للسماء والأرض فقال وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السَّمَاواتِ وَمَا فِى الاْرْضِ ( الجاثية ١٣ ) الثالثة عشرة ما فيها من الأحجار المختلفة ففي صغارها ما يصلح للزينة فتجعل فصوصها للخواتم وفي كبارها ما يتخذ للأبنية فانظر إلى الحجر الذي تخرج النار منه مع كثرته وانظر إلى الياقوت الأحمر مع عزته ثم انظر إلى كثرة النفع بذلك الحقير وقلة النفع بهذا الشريف الرابعة عشرة ما أودع الله تعالى فيها من المعادن الشريفة كالذهب والفضة ثم تأمل فإن البشر استخرجوا الحرف الدقيقة والصنائع الجليلة واستخرجوا السمكة من قعر البحر واستنزلوا الطير من أوج الهواء ثم عجزوا عن إيجاد الذهب والفضة والسبب فيه أنه لا فائدة في وجودهما إلا الثمينة وهذه الفائدة لا تحصل إلا عند العزة فالقادر على إيجادهما يبطل هذه الحكمة فلذلك ضرب الله دونهما باباً مسدوداً إظهار لهذه الحكمة وإبقاء لهذه النعمة ولذلك فإن ما لا مضرة على الخلق فيه مكنهم منه فصاروا متمكنين من اتخاذ الشبه من النحاس والزجاج من الرمل وإذا تأمل العاقل في هذه اللطائف والعجائب اضطر في افتقار هذه التدابير إلى صانع حكيم مقتدر عليم سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً الخامسة عشرة كثرة ما يوجد على الجبال والأراضي من الأشجار التي تصلح للبناء والسقف ثم الحطب وما أشد الحاجة إليه في الخبز والطبخ قد نبه الله تعالى على دلائل الأرض ومنافعها بألفاظ لا يبلغها البلغاء ويعجز عنها الفصحاء فقال وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الاْرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِى َ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ( الرعد ٣ ) وأما الأنهار فمنها العظيمة كالنيل وسيحون وجيحون والفرات ومنها الصغار وهي كثيرة وكلها تحمل مياهاً عذبة للسقي والزراعة وسائر الفوائد
المسألة السادسة في أن السماء أفضل أم الأرض قال بعضهم السماء أفضل لوجوه أحدها أن السماء متعبد الملائكة وما فيها بقعة عصى الله فيها أحد وثانيها لما أتى آدم عليه السلام في الجنة بتلك المعصية قيل له اهبط من الجنة وقال الله تعالى لا يسكن في جواري من عصاني وثالثها قوله تعالى وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً ( المؤمنون ٣٢ ) وقوله تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَاء بُرُوجاً ( الفرقان ٦١ ) ولم يذكر في الأرض مثل ذلك ورابعها أن في أكثر الأمر ورد ذكر السماء مقدماً على الأرض في الذكر وقال آخرون بل الأرض أفضل لوجوه ( ا ) أنه تعالى وصف بقاعاً من الأرض بالبركة بقوله إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّة َ مُبَارَكاً ( آل عمران ٩٦ ) ( ب ) فِى الْبُقْعَة ِ الْمُبَارَكَة ِ مِنَ الشَّجَرَة ِ ( القصص ٣٠ ) ( ج ) إِلَى الْمَسْجِدِ الاْقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ ( الإسراء ١ ) ( د ) وصف أرض الشام بالبركة فقال مَشَارِقَ الاْرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا ( الأعراف ١٣٧ ) وخامسها وصف جملة الأرض بالبركة فقال قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ ( فصلت ٩ ) إلى قوله وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِى َ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا ( فصلت ١٠ ) فإن قيل وأي بركة في الفلوات الخالية والمفاوز المهلكة قلنا إنها مساكن للوحوش ومرعاها ثم إنها مساكن للناس إذا احتاجوا إليها فلهذه البركات قال تعالى وَفِى الاْرْضِ ءايَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ ( الذاريات ٢٠ ) وهذه الآيات وإن كانت حاصلة لغير الموقنين لكن لما لم ينتفع بها إلا الموقنون جعلها آيات للموقنين تشريفاً لهم


الصفحة التالية
Icon