الإضاءة سبب لحصول الإبصار فأطلق اسم الأبصار على الإضاءة إطلاقاً لاسم المسبب على السبب والثاني قال أبو عبيدة يقال قد أبصر النهار إذا صار الناس يبصرون فيه كقوله رجل مخبث إذا كان أصحابه خبثاء ورجل مضعف إذا كانت ذراريه ضعافاً فكذا قوله والنهار مبصراً أي أهله بصراء
واعلم أنه تعالى ذكر في آيات كثيرة منافع الليل والنهار قال وَجَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً ( النبأ ١٠ و ١١ ) وقال أيضاً جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ( القصص ٧٣ )
ثم قال تعالى وَلِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ أي لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ
واعلم أن الحساب مبني على أربع مراتب الساعات والأيام والشهور والسنون فالعدد للسنين والحساب لما دون السنين وهي الشهور والأيام والساعات وبعد هذه المراتب الأربع لا يحصل إلا التكرار كما أنهم رتبوا العدد على أربع مراتب الآحاد والعشرات والمئات والألوف وليس بعدها إلا التكرار والله أعلم
ثم قال وَكُلَّ شَى ْء فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً والمعنى أنه تعالى لما ذكر أحوال آيتي الليل والنهار وهما من وجه دليلان قاطعان على التوحيد ومن وجه آخر نعمتان عظيمتان من الله تعالى على أهل الدنيا فلما شرح الله تعالى حالهما وفصل ما فيهما من وجوه الدلالة على الخالق ومن وجوه النعم العظيمة على الخلق كان ذلك تفصيلاً نافعاً وبياناً كاملاً فلا جرم قال وَكُلَّ شَى ْء فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً أي كل شيء بكم إليه حاجة في مصالح دينكم ودنياكم فقد فصلناه وشرحناه وهو كقوله تعالى مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَى ْء ( الأنعام ٣٨ ) وقوله وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لّكُلّ شَى ْء ( النحل ٨٩ ) وقوله تُدَمّرُ كُلَّ شَى ْء بِأَمْرِ رَبّهَا ( الأحقاف ٢٥ ) وإنما ذكر المصدر وهو قوله تَفْصِيلاً لأجل تأكيد الكلام وتقريره كأنه قال وفصلناه حقاً وفصلناه على الوجه الذي لا مزيد عليه والله أعلم
وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة ِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
اعلم أن في الآية مسائل
المسألة الأولى في كيفية النظم وجوه
الوجه الأول أنه تعالى لما قال وَكُلَّ شَى ْء فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً كان معناه أن كل ما يحتاج إليه من دلائل التوحيد والنبوة والمعاد فقد صار مذكوراً وكل ما يحتاج إليه من شرح أحوال الوعد والوعيد والترغيب والترهيب فقد صار مذكوراً وإذا كان الأمر كذلك فقد أزيحت الأعذار وأزيلت العلل فلا جرم كل من ورد عرصة القيامة فقد ألزمناه طائره في عنقه ونقول له اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا


الصفحة التالية
Icon