حصلت السعادة لا محالة وإن كانت من موجبات الشقاوة حصلت الشقاوة لا محالة فهذا تفسير هذه الآية بحسب الأحوال الروحانية
واعلم أن الحق أن الأحوال الظاهرة التي وردت فيها الروايات حق وصدق لا مرية فيها واحتمال الآية لهذه المعاني الروحانية ظاهر أيضاً والمنهج القويم والصراط المستقيم هو الإقرار بالكل والله أعلم بحقائق الأمور
مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَة ٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً
في الآية مسائل
المسألة الأولى أنه تعالى لما قال في الآية الأولى وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَئِرَهُ فِى عُنُقِهِ ( الإسراء ١٣ ) ومعناه أن كل أحد مختص بعمل نفسه عبر عن هذا المعنى بعبارة أخرى أقرب إلى الأفهام وأبعد عن الغلط فقال مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا يعني أن ثواب العمل الصالح مختص بفاعله ولا يتعدى منه إلى غيره ويتأكد هذا بقوله وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ( النجم ٣٩ ٤٠ ) قال الكعبي الآية دالة على أن العبد متمكن من الخير والشر وأنه غير مجبور على عمل بعينه أصلاً لأن قوله مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا إنما يليق بالقادر على الفعل المتمكن منه كيف شاء وأراد أما المجبور على أحد الطرفين الممنوع من الطرف الثاني فهذا لا يليق به
المسألة الثانية أنه تعالى أعاد تقرير أن كل أحد مختص بأثر عل نفسه بقوله وَلاَ تَزِرُ وَازِرَة ٌ وِزْرَ أُخْرَى قال الزجاج يقال وزر يزر فهو وازر ووزر وزرا وزرة ومعناه أثم يأثم إثماً قال وفي تأويل الآية وجهان الأول أن المذنب لا يؤاخذ بذنب غيره وأيضاً غيره لا يؤاخذ بذنبه بل كل أحد مختص بذنب نفسه والثاني أنه لا ينبغي أن يعمل الإنسان بالإثم لأن غيره عمله كما قال الكفار وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَة ٍ مّن نَّذِيرٍ ( الزخرف ٣٢ )
واعلم أن الناس تمسكوا بهذه الآية في إثبات أحكام كثيرة
الحكم الأول
قال الجبائي في الآية دلالة على أنه تعالى لا يعذب الأطفال بكفر آبائهم وإلا لكان الطفل مؤاخذاً بذنب أبيه وذلك على خلاف ظاهر هذه الآية
الحكم الثاني
روى ابن عمر عن النبي ( ﷺ ) أنه قال ( إن الميت ليعذب ببكاء أهله ) فعائشة طعنت في صحة هذا


الصفحة التالية
Icon