الخبر واحتجت على صحة ذلك الطعن بقوله تعالى وَلاَ تَزِرُ وَازِرَة ٌ وِزْرَ أُخْرَى فإن تعذيب الميت بسبب بكاء أهله أخذ للإنسان بجرم غيره وذلك خلاف هذه الآية
الحكم الثالث
قال القاضي دلت هذه الآية على أن الوزر والإثم ليس من فعل الله تعالى وبيانه من وجوه أحدها أنه لو كان كذلك لامتنع أن يؤاخذ العبد به كما لا يؤاخذ بوزر غيره وثانيها أنه كان يجب ارتفاع الوزر أصلاً لأن الوازر إنما يصح أن يوصف بذلك إذا كان مختاراً يمكنه التحرز ولهذا المعنى لا يوصف الصبي بهذا
الحكم الرابع
أن جماعة من قدماء الفقهاء امتنعوا من ضرب الدية على العاقلة وقالوا لأن ذلك يقتضي مؤاخذة الإنسان بسبب فعل الغير وذلك على مضادة هذه الآية
وأجيب عنه بأن المخطىء ليس بمؤاخذ على ذلك الفعل فكيف يصير غيره مؤاخذاً بسبب ذلك الفعل بل ذلك تكليف واقع على سبيل الابتداء من الله تعالى
المسألة الثالثة قال أصحابنا وجوب شكر المنعم لا يثبت بالعقل بل بالسمع والدليل عليه قوله تعالى وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً وجه الاستدلال أن الوجوب لا تتقرر ماهيته إلا بترتيب العقاب على الترك ولا عقاب قبل الشرع بحكم هذه الآية فوجب أن لا يتحقق الوجوب قبل الشرع ثم أكدوا هذه الآية بقوله تعالى رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّة ٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ( النساء ١٦٥ ) وبقوله وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءايَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ( طه ١٣٤ )
ولقائل أن يقول هذا الاستدلال ضعيف وبيانه من وجهين الأول أن نقول لو لم يثبت الوجوب العقلي لم يثبت الوجوب الشرعي ألبتة وهذا باطل فذاك باطل بيان الملازمة من وجوه أحدها أنه إذا جاء المشرع وادعى كونه نبياً من عند الله تعالى وأظهر المعجزة فهل يجب على المستمع استماع قوله والتأمل في معجزاته أو لا يجب فإن لم يجب فقد بطل القول بالنبوة وإن وجب فإما أن يجب بالعقل أو بالشرع فإن وجب بالعقل فقد ثبت الوجوب العقلي وإن وجب بالشرع فهو باطل لأن ذلك الشرع إما أن يكون هو ذلك المدعي أو غيره والأول باطل لأنه يرجع حاصل الكلام إلى أن ذلك الرجل يقول الدليل على أنه يجب قبول قولي أني أقول إنه يجب قبول قولي وهذا إثبات للشيء بنفسه وإن كان ذلك الشارع غيره كان الكلام فيه كما في الأول ولزم إما الدور أو التسلسل وهما محالان وثانيها أن الشرع إذا جاء وأوجب بعض الأفعال وحرم بعضها فلا معنى للإيجاب والتحريم إلا أن يقول لو تركت كذا وفعلت كذا لعاقبتك فنقول إما أن يجب عليه الاحتراز عن العقاب أو لا يجب فلو لم يجب عليه الاحتراز عن العقاب لم يتقرر معنى الوجوب ألبتة وهذا باطل فذاك باطل وإن وجب عليه الاحتراز عن العقاب فإما أن يجب بالعقل أو بالسمع فإن وجب بالعقل فهو المقصود وإن وجب بالسمع لم يتقرر معنى هذا الوجوب إلا بسبب ترتيب


الصفحة التالية
Icon