العقاب عليه وحينئذ يعود التقسيم الأول ويلزم التسلسل وهو محال وثالثها أن مذهب أهل السنة أنه يجوز من الله تعالى أن يعفو عن العقاب على ترك الواجب وإذا كان كذلك كانت ماهية الوجوب حاصلة مع عدم العقاب فلم يبق إلا أن يقال إن ماهية الواجب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من العقاب وهذا الخوف حاصل بمحض العقل فثبت أن ماهية الوجوب إنما تحصل بسبب هذا الخوف وثبت أن هذا الخوف حاصل بمجرد العقل فلزم أن يقال الوجوب حاصل بمحض العقل
فإن قالوا ماهية الوجوب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من الذم
قلنا إنه تعالى إذا عفا فقد سقط الذم فعلى هذا ماهية الوجوب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من الذم وذلك حاصل بمحض العقل فثبت بهذه الوجوه أن الوجوب العقلي لا يمكن دفعه
وإذا ثبت هذا فنقول في الآية قولان الأول أن نجري الآية على ظاهرها ونقول العقل هو رسول الله إلى الخلق بل هو الرسول الذي لولاه لما تقررت رسالة أحد من الأنبياء فالعقل هو الرسول الأصلي فكان معنى الآية وما كنا معذبين حتى نبعث رسول العقل والثاني أن نخصص عموم الآية فنقول المراد وما كنا معذبين في الأعمال التي لا سبيل إلى معرفة وجوبها إلا بالشرع إلا بعد مجيء الشرع وتخصيص العموم وإن كان عدولاً عن الظاهر إلا أنه يجب المصير إليه عند قيام الدلائل وقد بينا قيام الدلائل الثلاثة على أنا لو نفينا الوجوب العقلي لزمنا نفي الوجوب الشرعي والله أعلم
واعلم أن الذي نرتضيه ونذهب إليه أن مجرد العقل سبب في أن يجب علينا فعل ما ينتفع به وترك ما يتضرر به أما مجرد العقل لا يدل على أنه يجب على الله تعالى شيء وذلك لأنا مجبولون على طلب النفع والاحتراز عن الضرر فلا جرم كان العقل وحده كافياً في الوجوب في حقنا والله تعالى منزه عن طلب النفع والهرب من الضرر فامتنع أن يحكم العقل عليه بوجوب فعل أو ترك فعل والله أعلم
وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَة ً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَا بَصِيرًا
في الآية مسائل
المسألة الأولى قوله أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا في تفسير هذا الأمر قولان
القول الأول أن المراد منه الأمر بالفعل ثم إن لفظ الآية لا يدل على أنه تعالى بماذا يأمرهم فقال الأكثرون معناه أنه تعالى يأمرهم بالطاعات والخيرات ثم إنهم يخالفون ذلك الأمر ويفسقون وقال صاحب ( الكشاف ) ظاهر اللفظ يدل على أنه تعالى يأمرهم بالفسق فيفسقون إلا أن هذا مجاز ومعناه أنه فتح عليهم أبواب الخيرات والراحات فعند ذلك تمردوا وطغوا وبغوا قال والدليل على أن ظاهر اللفظ يقتضي ما ذكرناه أن المأمور به إنما حذف لأن قوله فَفَسَقُواْ يدل عليه يقال أمرته فقام وأمرته فقرأ لا يفهم منه إلا أن


الصفحة التالية
Icon