وسلطنة استيفاء الدية إن شاء قال بعده فَلاَ يُسْرِف فّى الْقَتْلِ معناه أن الأولى أن لا يقدم على استيفاء القتل وأن يكتفي بأخذ الدية أو يميل إلى العفو وبالجملة فلفظة ( في ) محمولة على الباء والمعنى فلا يصير مسرفاً بسبب إقدامه على القتل ويصير معناه الترغيب في العفو والاكتفاء بالدية كما قال وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ( البقرة ٢٣٧ )
البحث الثاني أن في قوله وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا ذكر كونه مظلوماً بصيغة التنكير وصيغة التنكير على ما عرف تدل على الكمال فالإنسان المقتول ما لم يكن كاملاً في وصف المظلومية لم يدخل تحت هذا النص قال الشافعي رحمه الله قد دللنا على أن المسلم إذا قتل الذمي لم يدخل تحت هذه الآية بدليل أن الذمي مشرك والمشرك يحل دمه إنما قلنا إنه مشرك لقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ( النساء ١١٦ ) حكم بأن ما سوى الشرك مغفور في حق البعض فلو كان كفر اليهودي والنصراني شيئاً مغايراً للشرك لوجب أن يصير مغفوراً في حق بعض الناس بمقتضى هذه الآية فلما لم يصر مغفوراً في حق أحد دل على أن كفرهم شرك ولأنه تعالى قال لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَة ٍ ( البقرة ٧٣ ) فهذا التثليث الذي قال به هؤلاء إما أن يكون تثليثاً في الصفات وهو باطل لأن ذلك هو الحق وهو مذهب أهل السنة والجماعة فلا يمكن جعله تثليثاً للكفر وإما أن يكون تثليثاً في الذوات وذلك هو الحق ولا شك أن القائل به مشرك فثبت أن الذمي مشرك وإنما قلنا إن المشرك يجب قتله لقوله تعالى اقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ ( التوبة ٥ ) ومقتضى هذا الدليل إباحة دم الذمي فإن لم تثبت الإباحة فلا أقل من حصول شبهة الإباحة
وإذا ثبت هذا فنقول ثبت أنه ليس كاملاً في المظلومية فلم يندرج تحت قوله تعالى وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً وأما الحر إذا قتل عبداً فهو داخل تحت هذه الآية إلا أنا بينا أن قوله كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ( البقرة ١٧٨ ) يدل على المنع من قتل الحر بالعبد من وجوه كثيرة وتلك الآية أخص من قوله وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً والخاص مقدم على العام فثبت أن هذه الآية لا يجوز التمسك بها في مسألة أن موجب العمد هو القصاص ولا في مسألة أنه يجب قتل المسلم بالذمي ولا في مسألة أنه يجب قتل الحر بالعبد والله أعلم
أما قوله تعالى فَلاَ يُسْرِف فّى الْقَتْلِ ففيه مباحث
البحث الأول فيه وجوه الأول المراد هو أن يقتل القاتل وغير القاتل وذلك لأن الواحد منهم إذا قتل واحداً من قبيلة شريفة فأولياء ذلك المقتول كانوا يقتلون خلقاً من القبيلة الدنيئة فنهى الله تعالى عنه وأمر بالاقتصار على قتل القاتل وحده الثاني هو أن لا يرضى بقتل القاتل فإن أهل الجاهلية كانوا يقصدون أشراف قبيلة القاتل ثم كانوا يقتلون منهم قوماً معينين ويتركون القاتل والثالث هو أن لا يكتفي بقتل القاتل بل يمثل به ويقطع أعضاؤه قال القفال ولا يبعد حمله على الكل لأن جملة هذه المعاني مشتركة في كونها إسرافاً
البحث الثاني قرأ الأكثرون فَلاَ يُسْرِف بالياء وفيه وجهان الأول التقدير فلا ينبغي أن يسرف الولي في القتل الثاني أن الضمير للقاتل الظالم ابتداء أي فلا ينبغي أن يسرف ذلك الظالم وإسرافه عبارة


الصفحة التالية
Icon