قُلْ هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ ( الأنعام ١٤٨ ) نفي العلم واثبات للظن وذلك يدل على حصول المغايرة وأما قوله تعالى فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ( الممتحنة ١٠ ) فالمؤمن هو المقر وذلك الإقرار هو العلم
وأما الجواب الثالث فهو أيضاً ضعيف لأن ذلك الكلام إنما يتم لو ثبت أن القياس حجة بدليل قاطع وذلك باطل لأن تلك الحجة إما أن تكون عقلية أو نقلية والأول باطل لأن القياس الذي يفيد الظن لا يجب عقلاً أن يكون حجة والدليل عليه أنه لا نزاع أن يصح من الشرع أن يقول نهيتكم عن الرجوع إلى القياس ولو كان كونه حجة أمراً عقلياً محضاً لامتنع ذلك والثاني أيضاً باطل لأن الدليل النقلي في كون القياس حجة إنما يكون قطعياً لو كان منقولاً نقلاً متواتراً وكانت دلالته على ثبوت هذا المطلوب دلالة قطعية غير محتملة النقيض ولو حصل مثل هذا الدليل لوصل إلى الكل ولعرفه الكل ولارتفع الخلاف وحيث لم يكن كذلك علمنا أنه لم يحصل في هذه المسألة دليل سمعي قاطع فثبت أنه لم يوجد في إثبات كون القياس حجة دليل قاطع ألبتة فبطل قولكم كون الحكم المثبت بالقياس حجة معلوم لا مظنون فهذا تمام الكلام في تقرير هذا الدليل وأحسن ما يمكن أن يقال في الجواب عنه إن التمسك بهذه الآية التي عولتم عليها تمسك بعام مخصوص والتمسك بالعام المخصوص لا يفيد إلا الظن فلو دلت هذه الآية على أن التمسك بالظن غير جائز لدلت على أن التمسك بهذه الآية غير جائز فالقول بكون هذه الآية حجة يفضي ثبوته إلى نفيه فكان تناقضاً فسقط الاستدلال به والله أعلم وللمجيب أن يجيب فيقول نعلم بالتواتر الظاهر من دين محمد ( ﷺ ) أن التمسك بآيات القرآن حجة في الشريعة ويمكن أن يجاب عن هذا الجواب بأن كون العام المخصوص حجة غير معلوم بالتواتر والله أعلم
المسألة الثالثة قوله إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ فيه بحثان
البحث الأول أن العلوم إما مستفادة من الحواس أو من العقول أما القسم الأول فإليه الإشارة بذكر السمع والبصر فإن الإنسان إذا سمع شيئاً ورآه فإنه يرويه ويخبر عنه وأما القسم الثاني فهو العلوم المستفادة من العقل وهي قسمان البديهية والكسبية وإلى العلوم العقلية الإشارة بذكر الفؤاد
البحث الثاني ظاهر الآية يدل على أن هذه الجوارح مسؤولة وفيه وجوه
الوجه الأول أن المراد أن صاحب السمع والبصر والفؤاد هو المسؤول لأن السؤال لا يصح إلا ممن كان عاقلاً وهذه الجوارح ليست كذلك بل العاقل الفاهم هو الإنسان فهو كقوله تعالى حَافِظِينَ وَاسْئَلِ الْقَرْيَة َ ( يوسف ٨٢ ) والمراد أهلها يقال له لم سمعت ما لايحل لك سماعه ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه ولم عزمت على ما لا يحل لك العزم عليه
والوجه الثاني أن تقرير الآية أن أولئك الأقوام كلهم مسؤولون عن السمع والبصر والفؤاد فيقال لهم استعملتم السمع فيماذا أفي الطاعة أو في المعصية وكذلك القول في بقية الأعضاء وذلك لأن هذه الحواس آلات النفس والنفس كالأمير لها والمستعمل لها في مصالحها فإن استعملتها النفس في الخيرات استوجبت الثواب وإن استعملتها في المعاصي استحقت العقاب