اللهم إني اشتريت منك الولدان بألف فتصدق به ثم أصابه حاجة فجلس لأخيه على طريقه فمر به في حشمه فتعرض له فطرده ووبخه على التصدق بماله وقوله تعالى جَعَلْنَا لاِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ فاعلم أن الله تعالى وصف تلك الجنة بصفات الصفة الأولى كونها جنة وسمى البستان جنة لاستتار ما يستتر فيها بظل الأشجار وأصل الكلمة من الستر والتغطية والصفة الثانية قوله وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ أي وجعلنا النخل محيطاً بالجنتين نظيره قوله تعالى وَتَرَى الْمَلَائِكَة َ حَافّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ( الزمر ٧٥ ) أي واقفين حول العرش محيطين به والحفاف جانب الشيء والأحفة جمع فمعنى قول القائل حف به القوم أي صاروا في أحفته وهي جوانبه قال الشاعر له لحظات في حفافي سريره
إذا كرها فيها عقاب ونائل
قال صاحب ( الكشاف ) حفوه إذا طافوا به وحففته بهم أي جعلتهم حافين حوله وهو متعد إلى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولاً ثانياً كقوله غشيته وغشيته به قال وهذه الصفة مما يؤثرها الدهاقين في كرومهم وهي أن يجعلوها محفوفة بالأشجار المثمرة وهو أيضاً حسن في المنظر الصفة الثالثة وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا والمقصود منه أمور أحدها أن تكون تلك الأرض جامعة للأقوات والفواكه وثانيها أن تكون تلك الأرض متسعة الأطراف متباعدة الأكناف ومع ذلك فإنها لم يتوسطها ما يقطع بعضها عن بعض وثالثها أن مثل هذه الأرض تأتي في كل وقت بمنفعة أخرى وهي ثمرة أخرى فكانت منافعها دارة متواصلة الصفة الرابعة قوله تعالى كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ اتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئًا كلا إسم مفرد معرفة يؤكد به مذكران معرفتان وكلتا اسم مفرد يؤكد به مؤنثان معرفتان وإذا أضيفا إلى المظهر كانا بالألف في الأحوال الثلاثة كقولك جاءني كلا أخويك ورأيت كلا أخويك ومررت بكلا أخويك وجاءني كلتا أختيك ورأيت كلتا أختيك ومررت بكلتا أختيك وإذا أضيفا إلى المضمر كانا في الرفع بالألف وفي الجر والنصب بالياء وبعضهم يقول مع المضمر بالألف في الأحوال الثلاثة أيضاً وقوله اتَتْ أُكُلَهَا حمل على اللفظ لأن كلتا لفظه لفظ مفرد ولو قيل أتتا على المعنى لجاز وقوله وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئًا أي لم تنقص والظلم النقصان يقول الرجل ظلمني حقي أي نقصني الصفة الخامسة قوله تعالى وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً أي كان النهر يجري في داخل تلك الجنتين وفي قراءة يعقوب وفجرنا مخففة وفي قراءة الباقين وفجرنا مشددة والتخفيف هو الأصل لأنه نهر واحد والتشديد على المبالغة لأن النهر يمتد فيكون كأنهار و خِلَالَهُمَا أي وسطهما وبينهما ومنه قوله تعالى ولاَوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ ( التوبة ٤٧ ) ومنه يقال خللت القوم أي دخلت بين القوم الصفة السادسة قوله تعالى وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ قرأ عاصم بفتح الثاء والميم في الموضعين وهو جمع ثمار أو ثمرة وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وسكون الميم في الحرفين والباقون بضم الثاء والميم في الحرفين ذكر أهل اللغة أنه بالضم أنواع الأموال من الذهب والفضة وغيرهما وبالفتح حمل الشجر قال قطرب كان أبو عمرو بن العلاء يقول الثمر المال والولد وأنشد للحارث بن كلدة ولقد رأيت معاشرا
قد أثمروا مالاً وولدا
مهلاً فداء لك الأقوام كلهم
ما أثمروه أمن مال ومن ولد


الصفحة التالية
Icon