اعترافاً بأنها وكل خير فيها بمشيئة الله وفضله فإن أمرها بيده إن شاء تركها وإن شاء خربها وهلا قلت لا قوة إلا بالله إقراراً بأن ما قويت به على عمارتها وتدبير أمرها فهو بمعونة الله وتأييده لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلا بالله ثم إن المؤمن لما علم الكافر الإيمان أجابه عن افتخاره بالمال والنفر فقال إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا من قرأ أقل بالنصب فقد جعل أنا فصلاً وأقل مفعولاً ثانياً ومن قرأ بالرفع جعل قوله أَنَاْ مبتدأ وقوله أَقُلْ خبر والجملة مفعولاً ثانياً لترن واعلم أن ذكر الولد ههنا يدل على أن المراد بالنفر المذكور في قوله وَأَعَزُّ نَفَراً الأعوان والأولاد كأنه يقول له إن كنت تراني أَقُلْ مَالاً وَوَلَدًا وأنصاراً في الدنيا الفانية فعسَى رَبّى أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مّن جَنَّتِكَ إما في الدنيا وإما في الآخرة ويرسل على جنتك حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء أي عذاباً وتخريباً والحسبان مصدر كالغفران والبطلان بمعنى الحساب أي مقداراً قدره الله وحسبه وهو الحكم بتخريبها قال الزجاج عذاب حسبان وذلك الحسبان حسبان ما كسبت يداك وقيل حسباناً أي مرامي الواحد منها حسبانة وهي الصواعق فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أي فتصبح جنتك أرضاً ملساء لا نبات فيها والصعيد وجه الأرض زلقاً أي تصير بحيث تزلق الرجل عليها زلقاً ثم قال أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا أي يغوص ويسفل في الأرض فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا أي فيصير بحيث لا تقدر على رده إلى موضعه قال أهل اللغة في قوله مَاؤُهَا غَوْرًا أي غائراً وهو نعت على لفظ المصدر كما يقال فلان زور وصوم للواحد والجمع والمذكر والمؤنث ويقال نساء نوح أي نوائح ثم أخبر الله تعالى أنه حقق ما قدره هذا المؤمن فقال وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ وهو عبارة عن إهلاكه بالكلية وأصله من إحاطة العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل إهلاك ومنه قوله إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ ( يوسف ٦٦ ) ومثله قولهم أتى عليه إذا أهلكه من أتى عليهم العدو إذا جاءهم مستعلياً عليهم ثم قال تعالى فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ وهو كناية عن الندم والحسرة فإن من عظمت حسرته يصفق إحدى يديه على الأخرى وقد يمسح إحداهما على الأخرى وإنما يفعل هذا ندامة على ما أنفق في الجنة التي وعظه أخوه فيها وعذله وَهِى َ خَاوِيَة ٌ عَلَى عُرُوشِهَا أي ساقطة على عروشها فيمكن أن يكون المراد بالعروش عروش الكرم فهذه العروش سقطت ثم سقطت الجدران عليها ويمكن أن يراد من العروش السقوف وهي سقطت على الجدران وحاصل الكلام أن هذه اللفظة كناية عن بطلانها وهلاكها ثم قال تعالى وَيَقُولُ يالَيْتَنِى لَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا والمعنى أن المؤمن لما قال لَكُنَّا هُوَ اللَّهُ رَبّى وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبّى أَحَدًا فهذا الكافر تذكر كلامه وقال وَيَقُولُ يالَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا فإن قيل هذا الكلام يوهم أنه إنما هلكت جنته بشؤم شركه وليس الأمر كذلك لأن أنواع البلاء أكثرها إنما يقع للمؤمنين قال تعالى وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّة ً واحِدَة ً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّة ٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ( الزخرف ٣٣ ) وقال النبي ( ﷺ ) ( خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل ) وأيضاً فلما قال وَيَقُولُ يالَيْتَنِى لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّى أَحَدًا فقد ندم على الشرك ورغب في التوحيد فوجب أن يصير مؤمناً فلم قال بعده وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَة ٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً والجواب عن السؤال الأول أنه لما عظمت حسرته لأجل أنه أنفق عمره في تحصيل الدنيا وكان معرضاً في كل عمره عن طلب الدين فلما ضاعت الدنيا بالكلية بقي الحرمان عن الدنيا والدين عليه فلهذا السبب عظمت حسرته والجواب عن السؤال الثاني أنه إنما ندم على الشرك لاعتقاده أنه لو كان موحداً غير مشرك لبقيت عليه جنته فهو إنما رغب في التوحيد والرد عن الشرك لأجل طلب


الصفحة التالية
Icon