الثاني حكى الزجاج عن الخليل وسيبويه أنه قال لما أمر فعصى كان سبب فسقه هو ذلك الأمر والمعنى أنه لولا ذلك الأمر السابق لما حصل الفسق فلأجل هذا المعنى حسن أن يقال فسق عن أمر ربه الثالث قال قطرب فسق عن أمر ربه رده كقوله واسأل القرية واسأل العير قال تعالى أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ وفيه مسائل
المسألة الأولى المقصود من هذا الكلام أن إبليس تكبر على آدم وترفع عليه لما ادعى أن أصله أشرف من أصل آدم فوجب أن يكون هو أشرف من آدم فكأنه تعالى قال لأولئك الكافرين الذين افتخروا على فقراء المسلمين بشرف نسبهم وعلو منصبهم إنكم في هذا القول اقتديتم بإبليس في تكبره على آدم فلما علمتم أن إبليس عدو لكم فكيف تقتدون به في هذه الطريقة المذمومة هذا هو تقرير الكلام فإن قيل إن هذا الكلام لا يتم إلا بإثبات مقدمات فأولها إثبات إبليس وثانيها إثبات ذرية إبليس وثالثها إثبات عداوة بين إبليس وذريته وبين أولاد آدم ورابعها أن هذا القول الذي قاله أولئك الكفار اقتدوا فيه بإبليس وكل هذه المقدمات الأربعة لا سبيل إلى إثباتها إلا بقول النبي محمد ( ﷺ ) فالجاهل بصدق النبي جاهل بها إذا عرفت هذا فنقول المخاطبون بهذه الآيات هل عرفوا كون محمد نبياً صادقاً أو ما عرفوا ذلك فإن عرفوا كونه نبياً صادقاً قبلوا قوله في كل ما يقوله فكلما نهاهم النبي ( ﷺ ) عن قول انتهو عنه وحينئذ فلا حاجة إلى قصة إبليس وإن لم يعرفوا كونه نبياً جهلوا كل هذه المقدمات الأربعة ولم يعرفوا صحتها فحينئذ لا يكون في إيرادها عليهم فائدة والجواب أن المشركين كانوا قد سمعوا قصة إبليس وآدم من أهل الكتاب واعتقدوا صحتها وعلموا أن إبليس إنما تكبر على آدم بسبب نسبه فإذا أوردنا عليهم هذه القصة كان ذلك زاجراً لهم عما أظهروه مع فقراء المسلمين من التكبر والترفع
المسألة الثانية قال الجبائي في هذه الآية دلالة على أنه تعالى لا يريد الكفر ولا يخلقه في العبد إذ لو أراده وخلقه فيه ثم عاقبه عليه لكان ضرر إبليس أقل من ضرر الله عليهما فكيف يوبخهم بقوله بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً تعالى الله عنه علواً كبيراً بل على هذا المذهب لا ضرر البتة من إبليس بل الضرر كله من الله والجواب المعارضة بالداعي والعلم
المسألة الثالثة إنما قال للكفار المفتخرين بأنسابهم وأموالهم على فقراء المسلمين أفتتخذون إبليس وذريته أولياء من دون الله لأن الداعي لهم إلى ترك دين محمد ( ﷺ ) هو النخوة وإظهار العجب فهذا يدل على أن كل من أقدم على عمل أو قول بناء على هذا الداعي فهو متبع لإبليس حتى أن من كان غرضه في إظهار العلم والمناظرة التفاخر والتكبر والترفع فهو مقتد بإبليس وهو مقام صعب غرق فيه أكثر الخلق فنسأل الله الخلاص منه ثم قال تعالى بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً أي بئس البدل من الله إبليس لمن استبدله به فأطاعه بدل طاعته ثم قال مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وفيه مسألتان
المسألة الأولى اختلفوا في أن الضمير في قوله مَّا أَشْهَدتُّهُمْ إلى من يعود فيه وجوه أحدها وهو الذي ذهب إليه الأكثرون أن المعنى ما أشهدت الذي اتخذتموهم أولياء خلق السموات والأرض ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ( النساء ٦٦ ) يعني ما أشهدتهم لأعتضد بهم والدليل عليه قوله وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلّينَ عَضُداً أي وما كنت متخذهم فوضع الظاهر موضع المضمر بياناً لإضلالهم وقوله عَضُداً أي أعواناً وثانيها وهو أقرب عندي أن الضمير عائد إلى الكفار الذين قالوا


الصفحة التالية
Icon