فلقوله تعالى وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمولَهُمْ وأما في العلم فلقوله تعالى وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِى إِسْراءيلَ الْكِتَابَ ( غافر ٥٣ ) وقال عليه السلام ( العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم ) وقال تعالى وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودُ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودُ ( النمل ١٥ ٦ ) وهذا يحتمل وراثة الملك ووراثة النبوة وقد يقال أورثني هذا غماً وحزناً وقد ثبت أن اللفظ محتمل لتلك الوجوه واحتج من حمل اللفظ على وراثة المال بالخبر والمعقول أما الخبر فقوله عليه السلام ( رحم الله زكريا ما كان له من يرثه ) وظاهره يدل على أن المراد إرث المال وأما المعقول فمن وجهين الأول أن العلم والسيرة والنبوة لا تورث بل لا تحصل إلا بالاكتساب فوجب حمله على المال الثاني أنه قال وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً ولو كان المراد من الإرث إرث النبوة لكان قد سأل جعل النبي ( ﷺ ) رضياً وهو غير جائز لأن النبي لا يكون إلا رضياً معصوماً وأما قوله عليه السلام ( إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ) فهذا لا يمنع أن يكون خاصاً به واحتج من حمله على العلم أو المنصب والنبوة بما علم من حال الأنبياء أن اهتمامهم لا يشتد بأمر المال كما يشتد بأمر وقيل لعله أوتي من الدنيا ما كان عظيم النفع في الدين فلهذا كان مهتماً به أما قوله النبوة كيف تورث قلنا المال إنما يقال ورثه الابن بمعنى قام فيه مقام أبيه وحصل له من فائدة التصرف فيه ما حصل لأبيه وإلا فملك المال من قبل الله لا من قبل المورث فكذلك إذا كان المعلوم في الإبن أن يصير نبياً بعده فيقوم بأمر الدين بعده جاز أن يقال ورثه أما قوله عليه السلام ( إنا معشر الأنبياء ) فهذا وإن جاز حمله على الواحد كما في قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكْرَ ( الحجر ٩ ) لكنه مجاز وحقيقته الجمع والعدول عن الحقيقة من غير موجب لا يجوز لا سيما وقد روي قوله ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث ) والأولى أن يحمل ذلك على كل ما فيه نفع وصلاح في الدين وذلك يتناول النبوة والعلم والسيرة الحسنة والمنصب النافع في الدين والمال الصالح فإن كل هذه الأمور مما يجوز توفر الدواعي على بقائها ليكون ذلك النفع دائماً مستمراً السابع اتفق أكثر المفسرين على أن يعقوب ههنا هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام لأن زوجة زكرياء هي أخت مريم وكانت من ولد سليمان بن داود من ولد يهوذا بن يعقوب وأما زكرياء عليه السلام فهو من ولد هرون أخى موسى عليه السلام وهرون وموسى عليهما السلام من ولد لاوي بن يعقوب بن إسحق وكانت النبوة في سبط يعقوب لأنه هو إسرائيل ( ﷺ ) وقال بعض المفسرين ليس المراد من يعقوب ههنا ولد إسحق بن إبراهيم عليه السلام بل يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان وكان آل يعقوب أخوال يحيى بن زكرياء وهذا قول الكلبي ومقاتل وقال الكلبي كان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وملوكهم وكان زكريا رأس الأحبار يومئذ فأراد أن يرثه ولده حبورته ويرث من بني ماثان ملكهم واعلم أنهم ذكروا في تفسير الرضى وجوهاً أحدها أن المراد واجعله رضياً من الأنبياء وذلك لأن كلهم مرضيون فالرضي منهم مفضل على جملتهم فائق لهم في كثير من أمورهم فاستجاب الله تعالى له ذلك فوهب له سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين لم يعص ولم يهم بمعصية وهذا غاية ما يكون به المرء رضياً وثانيها المراد بالرضي أن يكون رضياً في أمته لا يتلقى بالتكذيب ولا يواجه بالرد وثالثها المراد بالرضي أن لا يكون متهماً في شيء ولا


الصفحة التالية
Icon