بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك وإن قرأ سجدة سبحان قال اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك وإن قرأ هذه السجدة قال اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم المهتدين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آيات كتابك
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصَّلَواة َ وَاتَّبَعُواْ الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَائِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة َ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً
اعلم أنه تعالى لما وصف هؤلاء الأنبياء بصفات المدح ترغيباً لنا في التأسي بطريقتهم ذكر بعدهم من هو بالضد منهم فقال فخلف من بعدهم خلف وظاهر الكلام أن المراد من بعد هؤلاء الأنبياء خلف من أولادهم يقال خلفه إذا أعقبه ثم قيل في عقب الخبر خلف بفتح اللام وفي عقب الشر خلف بالسكون كما قالوا وعد في ضمان الخير ووعيد في ضمان الشر وفي الحديث ( في الله خلف من كل هالك ) وفي الشعر للبيد ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
ثم وصفهم بإضاعة الصلاة واتباع الشهوات فإضاعة الصلاة في مقابلة قوله خَرُّواْ سُجَّداً ( السجدة ١٥ ) واتباع الشهوات في مقابلة قوله وَبُكِيّاً لأن بكاءهم يدل على خوفهم واتباع هؤلاء لشهواتهم يدل على عدم الخوف لهم وظاهر قوله فَخَلَفَ مِن تركوها لكن تركها قد يكون بأن لا تفعل أصلاً وقد يكون بأن لا تفعل في وقتها وإن كان الأظهر هو الأول وأما اتباع الشهوات فقال ابن عباس رضي الله عنهما هم اليهود تركوا الصلاة المفروضة وشربوا الخمر واستحلوا نكاح الأخت من الأب واحتج بعضهم بقوله إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ على أن تارك الصلاة كافر واحتج أصحابنا بها في أن الإيمان غير العمل لأنه تعالى قال وَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً فعطف العمل على الإيمان والمعطوف غير المعطوف عليه أجاب الكعبي عنه بأنه تعالى فرق بين التوبة والإيمان والتوبة من الإيمان فكذلك العمل الصالح يكون من الإيمان وإن فرق بينهما وهذا الجواب ضعيف لأن عطف الإيمان على التوبة يقتضي وقوع المغايرة بينهما لأن التوبة عزم على الترك والإيمان إقرار بالله تعالى وهما متغايران فكذا في هذه الصورة ثم بين تعالى أن من هذه صفته يَلْقُونَ غَيّاً وذكروا في الغي وجوهاً أحدها أن كل شر عند العرب غي وكل خير رشاد قال الشاعر فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
وثانيها قال الزجاج يَلْقُونَ غَيّاً أي يلقون جزاء الغي كقوله تعالى يَلْقَ أَثَاماً ( الفرقان ٦٨ ) أي مجازاة الآثام وثالثها غياً عن طريق الجنة ورابعها الغي واد في جهنم يستعيذ منه أوديتها والوجهان الأولان أقرب فإن كان في جهنم موضع يسمى بذلك جاز ولا يخرج من أن يكون المراد ما قدمنا لأنه المعقول في اللغة ثم بين سبحانه أن هذا الوعيد فيمن لم يتب وأما من تاب وآمن وعمل صالحاً فلهم الجنة لا


الصفحة التالية
Icon