ولفظ الظالمين لفظ جمع دخل عليه حرف التعريف فيفيد العموم والكلام على التمسك بصيغ العموم قد تقدم مراراً كثيرة في هذا الكتاب أما قوله جِثِيّاً قال صاحب ( الكشاف ) قوله وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها وأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد نجاتهم وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بِيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَى ُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً
اعلم أنه تعالى لما أقام الحجة على مشركي قريش المنكرين للبعث أتبعه بالوعيد على ما تقدم ذكره عنهم أنهم عارضوا حجة الله بكلام فقالوا لو كنتم أنتم على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم في الدنيا أحسن وأطيب من حالنا لأن الحكيم لا يليق به أن يوقع أولياءه المخلصين في العذاب والذل وأعداءه المعروضين عن خدمته في العز والراحة ولما كان الأمر بالعكس فإن الكفار كانوا في النعمة والراحة والاستعلاء والمؤمنين كانوا في ذلك الوقت في الخوف والذل دل على أن الحق ليس مع المؤمنين هذا حاصل شبهتهم في هذا الباب ونظيره قوله تعالى لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ( الأحقاف ١١ ) ويروى أنهم كانوا يرجلون شعورهم ويدهنون ويتطيبون ويتزينون بالزينة الفاخرة ثم يدعون مفتخرين على فقراء المسلمين أنهم أكرم على الله منهم بقي بحثان
الأول قوله بَيّنَاتٍ تَعْرِفُ يحتمل وجوهاً أحدها أنها مرتلات الألفاظ مبينات المعاني إما محكمات أو متشابهات فقد تبعها البيان بالمحكمات أو بتبيين الرسول قولاً أو فعلاً وثانيها أنها ظاهرات الإعجاز تحدى بها فما قدروا على معارضتها وثالثها المراد بكونها آيات بينات أي دلائل ظاهرة واضحة لا يتوجه عليها سؤال ولا اعتراض مثل قوله تعالى في إثبات صحة الحشر أَوْ لاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ( مريم ٦٧ )
البحث الثاني قرأ ابن كثير مَقَاماً بالضم وهو موضع الإقامة والمنزل والباقون بالفتح وهو موضع القيام والمراد والندى المجلس يقال ندى وناد والجمع الأندية ومنه قوله وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ( العنكبوت ٢٩ ) وقال فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ( العلق ١٧ ) ويقال ندوت القوم أندوهم إذا جمعتهم في المجلس ومنه دار الندوة بمكة وكانت مجتمع القوم ثم أجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً
وتقرير هذا الجواب أن يقال إن من كان أعظم نعمة منكم في الدنيا قد أهلكهم الله تعالى وأبادهم فلو دل حصول نعم الدنيا للإنسان على كونه حبيباً لله تعالى لوجب في حبيب الله أن لا يوصل إليه غماً في الدنيا ووجب عليه أن لا يهلك أحداً من المنعمين في دار الدنيا وحيث أهلكهم دل إما على فساد المقدمة الأولى


الصفحة التالية
Icon