هذا البدن وأشرقت عليها أنوار الأرواح السماوية العرشية المقدسة وفاضت عليها من تلك الأنوار قويت على التصرف في أجسام هذا العالم مثل قوة الأرواح الفلكية على هذه الأعمال وذلك هو الكرامات وفيه دقيقة أخرى وهي أن مذهبنا أن الأرواح البشرية مختلفة بالماهية ففيها القوية والضعيفة وفيها النورانية والكدرة وفيها الحرة والنذلة والأرواح الفلكية أيضاً كذلك ألا ترى إلى جبريل كيف قال الله في وصفه إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِى قُوَّة ٍ عِندَ ذِى الْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ( التكوير ١٩ ٢٠ ) وقال في قوم آخرين من الملائكة وَكَمْ مّن مَّلَكٍ فِى السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً ( النجم ٢٦ ) فكذا ههنا فإذا اتفق في نفس من النفوس كونها قوية القوة القدسية العنصرية مشرقة الجوهر علوية الطبيعة ثم انضاف إليها أنواع الرياضات التي تزيل عن وجهها غبرة عالم الكون والفساد أشرقت وتلألأت وقويت على التصرف في هيولي عالم الكون والفساد بإعانة نور معرفة الحضرة الصمدية وتقوية أضواء حضرة الجلال والعزة ولنقبض ههنا عنان البيان فإن وراءها أسراراً دقيقة وأحوالاً عميقة من لم يصل إليها لم يصدق بها ونسأل الله الإعانة على إدراك الخيرات واحتج المنكرون للكرامات بوجوه الشبهة الأولى وهي التي عليها يعولون وبها يضلون أن ظهور الخارق للعادة جعله الله دليلاً على النبوة فلو حصل لغير نبي لبطلت هذه الدلالة لأن حصول الدليل مع عدم المدلول يقدح في كونه دليلاً وذلك باطل والشبهة الثانية تمسكوا بقوله عليه السلام حكاية عن الله سبحانه ( لن يتقرب المتقربون إلي بمثل أداء ما افترضت عليهم ) قالوا هذا يدل على أن التقرب إلى الله بأداء الفرائض أعظم من التقرب إليه بأداء النوافل ثم إن المتقرب إليه بأداء الفرائض لا يحصل له شيء من الكرامات فالمتقرب إليه بأداء النوافل أولى أن لا يحصل له ذلك الشبهة الثالثة تمسكوا بقوله تعالى وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقّ الانفُسِ ( النحل ٧ ) والقول بأن الولي ينتقل من بلد إلى بلد بعيد لا على الوجه طعن في هذه الآية وأيضاً أن محمداً ( ﷺ ) لم يصل من مكة إلى المدينة إلا في أيام كثيرة مع التعب الشديد فكيف يعقل أن يقال أن الولي ينتقل من بلد نفسه إلى الحج في يوم واحد الشبهة الرابعة قالوا هذا الولي الذي تظهر عليه الكرامات إذا ادعى على إنسان درهماً فهل نطالبه بالبينة أم لا فإن طالبناه بالبينة كان عبثاً لأن ظهور الكرامات عليه يدل على أنه لا يكذب ومع قيام الدليل القاطع كيف يطلب الدليل الظني وإن لم نطالبه بها فقد تركنا قوله عليه السلام ( البينة على المدعي ) فهذا يدل على أن القول بالكرامة باطل الشبهة الخامسة إذا جاز ظهور الكرامة على بعض الأولياء جاز ظهورها على الباقين فإذا كثرت الكرامات حتى خرقت العادة جرت وفقاً للعادة وذلك يقدح في المعجزة والكرامة ( والجواب ) عن الشبهة الأولى أن الناس اختلفوا في أنه هل يجوز للولي دعوى الولاية فقال قوم من المحققين إن ذلك لا يجوز فعلى هذا القول يكون الفرق بين المعجزات والكرامات أن المعجزة تكون مسبوقة بدعوى النبوة والكرامة لا تكون مسبوقة بدعوى الولاية والسبب في هذا الفرق أن الأنبياء عليهم السلام إنما بعثوا إلى الخلق ليصيروا دعاة للخلق من الكفر إلى الإيمان ومن المعصية إلى الطاعة فلو لم تظهر دعوى النبوة لم يؤمنوا به وإذا لم يؤمنوا به بقوا على الكفر وإذا ادعوا النبوة وأظهروا المعجزة آمن القوم بهم فإقدام الأنبياء على دعوى النبوة ليس الغرض منه تعظيم النفس بل المقصود منه إظهار الشفقة على الخلق حتى ينتقلوا من الكفر إلى الإيمان أما ثبوت الولاية للولي فليس الجهل بها كفراً ولا معرفتها إيماناً فكان دعوى الولاية طلباً لشهوة النفس فعلمنا أن النبي يجب عليه إظهار دعوى النبوة


الصفحة التالية
Icon